مسألة (31) : إذا تعارض الناقلان بالفتوى مع إختلاف التأريخ وإحتمال عدول المجتهد عن رأيه الأول يعمل بمتأخر الرأي ، وفي غير ذلك يرجع الى الأوثق منهما ومع تساويهما يعمل بأحوط القولين حتى يتبين الحكم.
بيان المسألة :
(إذا تعارض الناقلان) اللذان نقلا رأي المجتهد الى الناس بالنقل فتعارضا (بـ) نقل (الفتوى) فأحدها يقول بالوجوب مثلاً والثاني يقول بالحرمة ولكن (مع اختلاف التأريخ) وزمان النقل كأن يكون الأول نقله قبل شهر والثاني نقله بعد ذلك بشهر (و) بشرط أن حصل للمكلف (احتمال عدول المجتهد) وتبدّل رأيه (عن رأيه الأول) الى رأي ثاني فالحكم هنا أنه (يعمل) هذا الشخص الذي وصل اليه الرأيان (بمتأخر الرأي) والمنقول للمجتهد ، (وفي غير ذلك) الذي قلناه وأنه لا اختلاف في التاريخ أو هناك اختلاف من فضاكن لا احتمال لعدول المجتهد عن رأيه الأول فالحكم أنه (يرجع) في هذا الحال الى المقومات والتمييز والترجيح ومن المرجحات ان يرجع (الى الأوثق) في النقل والأعدل والذي يؤتمن عليه أكثر من الآخر بعد التمييز والترجيح (بينهما) واذا لا توجد مرجحات ومقومات بينهما (و) إذا لم يحصل بينهما ترجيح وتمييز لقول أحدهما على الآخر فحينئذ أي (مع تساويهما) بالأعدلية والأوثقية فلابد أن (يعمل) المكلف جزماً (بأحوط القولين) وأقواهما تحصيلاً لبراءة الذمة (حتى يتبين الحكم) له فيتبعه حينئذ.
الشـرح
في هذه المسألة مباحث مهمة جداً وهي معرض الإبتلاء ولذلك ارتأينا أن نبحثها بشيء من التفصيل فنقول :
تعارض النقلين في نقل الفتوى
يحصل كثيراً إختلاف في وصول فتوى المجتهد الى المقلدين أو في حصول المكلف عليها وهذا يتم على أنحاء ستة غالباً:
النحو الأول: بين شخصين ناقلين
من الواضح جداً إن هذه المسألة من الأمور الإبتلائية الواسعة فقد يتعارض نقلان معتبران لفتوى واحدة سواءٌ أصدرت من عدل ثقة أو من البينة ، وهنا أربع صور يمكن تصوّرها في المقام :
الصورة الأولى : يتحدان بالتأريخ عرفاً بحيث لو عرض النقلان على العرف العام لقال بأنهما متحدان كأن ينقل الأول الفتوى في يوم الجمعة وينقلها الثاني يوم السبت أو بعد فترة بحيث لا يمكن فيها عادة وبالنظر العرفي العقلائي إحتمال عدول المجتهد الى فتوى أخرى ، لأن العدول يحتاج الى وقت معتد به ، وفي هذه الحال يتساقط النقلان حتماً لوجود المعارضة بين النقلين والمعارضة هنا متحققة لأنها تتحقق وتتعنون في الخارج إذا كان المطروق والمحكي أمراً واحداً وهي هنا حاصلة فلا ريب في حصول التكاذب بين المنقولين والمحكيين والمعلوم من الطريقة العقلائية والطريقة العرفية عدم الجري على طبق أيٍ منهما وذلك لأن الكاشفية عن قول المجتهد قد انسلخت عن كل منهما ، والطريقة العقلائية توجب عليك أن تفحص وتتحرى واقع الأمر لأن القريحة العقلائية ترفض أن تتخير بين ترتيب الأثر على إخبار ونقل زيد أو على إخبار ونقل بكر ، بل تدعوك قريحتك أن تفحص إما تتصل هاتفياً أو تسافر الى مكان الفتوى وإذا لم يستطع المكلف ذلك فعليه أن يعمل حينئذ بأحوط القولين أي بالقول الذي يراه مبرئاً لذمته حتماً من بين النقلين وذلك لأن الحكمة المولوية تقتضي العمل بالحفاظ على المراد المولوي وتحصيله وهذا لا يكون إلاّ بالإحتياط الى أن يتبين له الحكم الصحيح بتحرّيه وفحصه ، لا أن يكون بالتخيير ويعمل به لأن التخيير لا معنى له مع سلب الكاشفية عن كل منهما بل هو على خلاف الحكمة المولوية وسيأتي كثير بيان لعدم العمل بالتخيير في النقطة الآتية.
الصورة الثانية : يختلفان بالتاريخ عرفاً فأحدهما ينقل الفتوى قبل شهر والثاني نقلها بعد شهر فالعرف يرى انهما مختلفان تأريخاً للبعد ويُحتمل في هذه الفترة أن المجتهد قد بدّل رأيه فكل منهما يكون نقله صحيحاً حينئذ فالحكم أنه يؤخذ بالنقل الذي يكون سماعه متأخراً عن سماع الآخر ، وليست هناك معارضة بين النقلين لأننا قلنا أعلاه من أن المعارضة تتحقق إذا كان هناك مطروق ومنقول واحد ، وهنا لا تتحقق المعارضة لتعدد المنقول والمحكي وذلك للإحتمال العقلائي بتبدل رأي المجتهد وتغيّر فتواه ، فاذن الحجة الفعلية في حق هذا المكلف هي النقل المتأخر لأنه أقوى كشفاً وحكاية، وذلك لأن الطريقة العقلائية والسيرة العرفية قائمة ومنعقدة على تقديم الكاشف الأقوى كشفاً والطريق الأشد إضاءة وحكاية على الكاشف الأضعف كشفاً وعلى الطريق الأضعف إضاءة حكاية ، والعكس قبيح عند العقلاء أي الجري على طبق الأضعف كشفاً وحكاية ، ومن المعلوم في الذهن الشارعي الأقدس أن هذه السيرة مبرمة مستحكمة عند العقلاء ويمكن أن تتطرق لأحكام الشارع، ويعلم أن المتشرعة في طليعة العقلاء ويمكن أن ينساقوا ويمشوا وراء قريحتهم العقلائية فاذا كان غير راضٍ بهذه الطريقة فعليه أن يردع عنها بردع صريح فصيح حفاظا على مراداته وصوناً لها من الضياع فان لم يردع عنها وهو قادر على الردع فماذا تفسّر ذلك؟ أكيد أننا نستكشف بالكشف الجزمي أنه قابل وراضٍ بها ممضي لها لأنه حكيم ملتفت الى أفعال العباد ، بل هناك تصريح من الشارع بالعمل على طبق هذه الطريقة وهي طائفة من الروايات الصريحة في تفعيل المرجحات عند تعارض الطريقين ظاهراً ، فهي وإن كانت الروايات تعطي اولوية لبعض المرجحات بل وتقتصر على بعضها من فضاكن ذلك لا يوجب الإقتصار عليها لأن الإمام (عليه السلام) بصدد تطبيق بعض مصاديق هذه الطريقة لأنه سيد العقلاء وهو ملتفت الى هذه الطريقة ، ولذا قلنا في باب الترجيح بالعمل بأحد الخبرين أو النقلين المتعارضين ظاهراً بأنه يجوز العمل بكل مرجّح فيه أقوائية كشفية عن المراد المولوي وفيه تقويه لأحد الخبرين على الاخر ولن نقتصر على المرجحات المنصوصة.
ولذا نحن جنحنا تبعاً للسيد الشهيد (رضوان الله عليه) من أن ما ورد في بعض الأخبار من الأخذ بأيهما شاء أو التخيير بين الخبرين من دون إعمال وتفعيل المرجحات إنما كان لأجل التسهيل والتيسير من قبل الإمام (عليه السلام) أعني التسهيل من قبل الشارع الأقدس على المكلفين إذا لم يعرفوا كيفية الوصول الى أحكام ومرادات المولى ، فهذا جعل تسهيلي من باب الإمتنان على العباد فلا مانع من أن يعدّد المولى في مطلوبه وإن كان المراد المولوي واحداً فارداً في اللوح التشريعي الأولي فحعل التخيير من قبل المولى يجب أن يكون تأسيسياً تعبدياً يُقتصر فيه على خصوص الخبرين المتعارضين المتكافئين من كل جهة.
من فضاكن مع الوصول الى أحكام ومرادات المولى والمحافظة على وحدة مطلوب المولى والتمييز بين الكشفين وبين الطريقين فان التخيير يكون عبثاً لأن فيه تفويتاً واضحاً للمراد المولوي ، لأنه اذا كان المراد المولوي واحدا ومطلوبه فارداً والطريق عليه واضحاً فلا معنى لأن يحكم المولى ويسوّغ التخيير في سلوك أحد الطريقين كيف ما كان وهو يعلم بأن أحدهما لا يوصل الى مراده ويعلم أن هناك طريقة لإستكشاف الطريق الموصل الى مراده ويعلم أن هذه الطريقة واضحة جلية بيّنة ، ولا مجال لإستصحاب حجية الفتوى السابقة بعد انهدام ركن الإستصحاب وهو اليقين بحجيتها بعد إبتلائها بالمعارضة من قبل الفتوى الجديدة ، ولا مجال لإستصحاب عدم عدول المجتهد في الزمن اللاحق لوجود اليقين التعبدي بالتبدّل أو انه لا يعارض الدليل.
نعم إن لم يعلم ذلك فان الحكمة المولوية تقتضي العمل بالإحتياط صونا للمراد المولوي من التضييع والتفويت.
الصورة الثالثة : يختلفان في التأريخ من فضاكن حصل إطمئنان عند المكلف ان المجتهد لا يمكنه أن يعدل كأن يكون من طبيعته أن يُعلن بأنه عدل أو أن المسألة اتفاقية، فالحكم واضح وهو تساقط القولين للمعارضة المستحكمة بينهما والعمل بالإحتياط كما تقتضيه الحكمة الشارعية الى أن يتبين له الحال كما قررنا ذلك في النقطة الأولى .
الصورة الرابعة : لم يذكر تأريخهما ولا تأريخ المتقدم ولا المتأخر بل نسيهما أو نسي أحدهما فانه أيضاً لا ريب في أنه يعمل بالإحتياط حفاظاً على المراد المولوي المعلوم المرادية .
وهذا الكلام كله يجري فيما لو كان التعارض بين بينتين أيضاً أو بين بيّنة وبين خبر ثقة .
النحو الثاني : بين لسان المجتهد وبين رسالته العملية الصحيحة
إن بعض الأحيان يحصل إختلاف بين لسان المجتهد وبين رسالته العملية ، فيفتي أو يجيب السائل على خلاف ما هو موجود في الرسالة ، وفي هذا الحال ما هو العمل؟ فنقول هنا فرعان :
الفرع الأول : إن كانت رسالته العملية غير مأمونة من الخطأ وهو ملتفت الى أن رسالته حصل فيها إشتباه في الطبع أو في الكتابة أو حصل فيها التلاعب فانه في هذا الحال نعتمد على ما في لسانه ولا نعتمد على كتابه عند الإختلاف ، والسبب واضح لأنه مع إلتفاته الى تطرق الإشتباه والخطأ الى كتابه فانه قد أحال السائل الى ما هو الصحيح وهذا يعني أنه ألفته الى أن ما في كتابه هو الخطأ فأعطاه الصحيح.
الفرع الثاني : إن كانت رسالته أو كتابه مأمون من الخطأ وهو ملتفت اليه ومتأكد من ذلك وأنه ليس فيه اشتباه ولا تلاعب ، فانه في هذه الحال أشم من فم السيد الشهيد (رضوان الله عليه) رائحة الإعتماد على ما في الكتاب وليس على ما صدر من اللسان إذا كان قد احتمل عدم العدول والسبب في ذلك:
إن المتفحص في الوجدان الفقهائي والمستقرئ لطريقتهم في كتابة رسائلهم العملية وكتبهم الفتوائية يجد أن الشائع بين الفقهاء المحققين المدققين أنهم يهتمون إهتماماً بالغاً في البيان الكتبي للفتوى أي فيما يكتبونه من فتاويهم وهذا هو الموافق للطبع الإنساني المتحفظ على مطالبه كتابة صونا لها من الإندثار أو صونا لها من النقد من قبل الآخرين بينما لا نجد هذا في البيان الشفهي فانهم لا يتحفظون في مكالماتهم على خصوصيات مطالبهم ، لا يتحفظون عما يصدر من اللسان أكثر مما يصدر في كتاباتهم ، لأنهم في أثناء جواب السائل ربما يعتمدون على ما هو المرتكز في أذهانهم أو ما هو الشائع دون الرجوع الى القواعد الصناعية فيكون عرضة للخطأ، ومن هذا فان الأخذ بما في كتابهم الفتوائي هو الأولى لما أكّدنا من ان معرض الإشتباه عندهم في اللسان أكثر مما هو موجود في الكتاب فيكون البيان التحريري أشد كشفاً من البيان الشفهي .
نعم : لو كان الفقيه يتحفظ في البيان الشفهي بصورة أشد من بيانه التحريري للفتوى فلا ريب في أنه يقدم البيان الشفهي حينئذ لأنه أشد كشفاً أو كذلك لو كان ناظراً الى زمن يختلف عن زمن تأليف كتابه ، وعليه فعلى الفقيه أن ينبّه في رسالته العملية على مستوى كشف رسالته ويبين أن ما فيها أقوى من غيره حتى يبين الأمر للمقلِّد الحائر.
وإذا لم يستطع الوصول الى واقع الحال فعليه أن يعمل بالإحتياط حتى يتبين له الأمر.
النحو الثالث : بين النقل وبين الرسالة العملية
بعض الأحيان يُنقل عن الفقيه فتوى مخالفة لما هو الموجود في رسالته العملية وهذا الناقل مما يُعتمد على نقله كأن يكون ثقة مأموناً منه أو بيّنة عادلة ، وفي هذا الحال نقول :
إن كان هناك إحتمال بعدول المجتهد عن رأيه السابق فانه يؤخذ بالمتأخر منهما لأن المتعارضين إذا كانا ناظرين الى زمانين مختلفين فالثقة أو البيّنة إذن ملتفت الى فتواه في رسالته العملية وقد سمع من الفقيه غير هذا وكان الفقيه في معرض العدول وقد فهم المنقول اليه ذلك فانسلخت الكاشفية عن فتواه الأولى ولم تبقَ أمامه الاّ حجية الفتوى الثانية المنقولة.
وإن لم يكن من ذلك شيء أي أنه لا يحتمل العدول والناقل لم يتيقن من العدول أيضاً بل فقط نقل الفتوى ، فان هذا المكلف المنقول اليه عليه أن يعمل بالرسالة العملية لما قلناه في الفقرة السابقة من ان البيان الكتبي التحريري أقوى كشفاً وأشد حكاية من المشافهة من الفقيه نفسه فيكون أشد من النقل بلا ريب.
وإن لم يتوصل الى نتيجة فعليه أن يعمل بالإحتياط الى أن يصل الى النتيجة.
النحو الرابع : بين رسائل إستفتائية وبين الرسالة العملية
كثُرت في الآونة الأخيرة بين الفقهاء أن يتوسعوا في فتاويهم في كتب متعددة ورسائل استفتائية متعددة وأجوبة على إستفتاءات متفرقة وقد يحصل إختلاف بين هذه الكتب والإستفتاءات وبين الرسالة العملية ..فنقول :
إن الفقيه عندما يكتب رسالته العملية فهو يكتبها عادة بدقة عالية وكل مسألة فيها فانه يستنبط حكمها على وفق الضوابط والأصول الفقهية باتقان ويكون متحفظاً جداً لكلماته لأنه ملتفت الى عِظم وخطر الفتوى ، لأن الرسالة العملية هي فتاوييه للعباد وقد أخذ بنظر الإعتبار أن العرف يعتمد عليها اعتماداً كلياً فلابد عليه أن يُخرجها وهي غير قابلة للخطأ أو الإشتباه ، فالرسالة العملية هي كتاب علمي بحثي استدلالي وهي الحجة الرئيسية للعباد أي المقلدين على ذلك الفقيه والحجة الرئيسية للفقيه على العباد ، وغيرها من الكتب الإستفتائية ليست بهذه المثابة من الإهتمام فيكون ظن الإشتباه والخطأ في هذه الإستفتاءات أكبر لأنها غير خاضعة لتلك القياسات الفقهية البحثية، ومظنون الأمن من الخطأ والإشتباه يُقدم قطعاً على مظنون الخطأ والإشتباه، فاذا حصل التعارض بينهما فانه لابد من تقديم ما في الرسالة العملية على سائر الكتب، وهذه الطريقة طريقة العقلاء ايضاً فان فقهائنا وعلمائنا منذ القديم يعتمدون على الكتاب البحثي العلمي المختص ولا يعتمدون على غيره فنراهم يأخذون بتوثيق الرجال اذا كان في كتاب رجالي ولا عبرة بما خالفه من كتاب فقهي أو تأريخي ، ويأخذون برأي الفقيه أذا وجوده في رسالته العملية ولا عبرة بما خالفه في كتاب تأريخي أو فقهي أو غيره.
فان قلت : بأن هذا الإستفتاء متأخر أو أن مسائل وردود مثلاً متأخر على الرسالة أو ععلى منهج الصالحين ولا ريب في الأخذ بالمتأخر.
قلت : إن الرسالة العملية لا يمكن أن تكون متأخرة إطلاقاً لأنها دستور عمله الى العباد يومياً بل وفي كل الأزمان وهو يطّلع على فتاويه المكتوبة فيها دائماً ويراجعها بين الحين والآخر لأنه في معرض تبدّل الرأي بتقادم علمه وفقاهته ، ولا أظن أن فقيهاً يكتب رسالته ويرميها بل هو محافظ على كل ما فيها ويتابعه بدقة عالية ، فاذن حديث أن الرسالة العملية متقدمة حديث خرافة بل هي المتأخرة حقاً وحقيقةً.
وعليه فاذا وجدت فتوى في مثل هذه الرسائل الإستفتائية المتأخرة فأول شيء نعرضه على الرسالة العملية اي على منهج الصالحين ونتأمل فيها فان وافقه فبها ونعمت ، وإن خالفه لا نعتبره ولا يكون حجة بل نرفضه إلاّ في حالة واحدة وهي :
أن نعلم أنه عدل عن رأيه في الرسالة العملية أي في منهج الصالحين الى هذا الرأي في هذا الإستفتاء وهذا العدول يثبت إما من لسانه هو مشافهة وينتشر أو بكتابته بنفسه كأن يكتب في هذا الإستفتاء أنه عدل عن رأيه الموجود في رسالته العملية ، أو يشهد عدول ثقات على أنهم سمعوا منه أنه عدل وهذا رأيه الذي استقر عليه ، وما عدا ذلك فالحق بالإتباع هو الرسالة العملية .
فان اختلط عليه الأمر ولم يفهم ذلك فعليه العمل بالإحتياط اللى أن يزال الخلط عليه.
ومن هنا قلنا أنه لا عبرة بكل رسالة إستفتائية اذا عارضت منهج الصالحين للسيد الشهيد (رضوان الله عليه) إلاّ إذا ثبت عدوله عن الفتوى الأولى باثبات شرعي ، وقلنا أيضاً بالإذن بجواز البقاء على تقليده والعمل على وفق منهج الصالحين فقط وبجواز تقليده إبتداءً والعمل بمنهج الصالحين فقط.
النحو الخامس : بين رسالتين عمليتين له
بعض الأحيان يكون للفقيه أكثر من رسالة عملية وبعض الأحيان تكون هناك رسالة عملية واحدة الاّ أنها مختلفة الطبعات والنسخ وقد يحصل إختلاف في الفتوى بين هذه الطبعات وهذه النسخ ، فنقول :
لابد من الأخذ بالرسالة العملية المصححة على يد الفقيه أو على يد غيره من فضاكنه اطلع على هذا التصحيح وأمضاء بامضاء صريح ، ولابد من الأخذ بالنسخة المطبوعة أخيراً اذا كانت مأمونة من الخطأ أو التلاعب ، اذن يؤخذ بالنسخة الأكثر أمناً من الخطأ سواءٌ أكان ذلك في حيلته أم بعد مماته.
تنبيـه : قد يحصل هناك سوء فهم للمسألة في الرسالتين فشخص يفهم من هذه المسألة في هذه الرسالة شيء والاخر يفهم منها شيئاً آخر في الرسالة الأخرى أي حصل الإشتباه من الإستظهار والفهم ، أو يحصل الإشتباه في الفهم في مسألة واحدة في رسالة واحدة ، وفي هذه الحالة نقول لابد من التوقف والرجوع الى أهل الخبرة في فهم الرسائل وأذواق العلماء في كتابة الرسائل فيؤخذ بقوله لما قلناه من أن السيرة العقلائية قائمة على الأخذ بما يقوله الأكثر خبرة والأكثر فهماً واستظهاراً ، والمتشرعة في طليعة العقلاء ولا يتخطون هذه الطريقة .
النحو السادس : بين الناقل وبين لسان الفقيه
قد يحصل في بعض الأحيان أن المكلف يسمع من الفقيه فتوى ثم يسمعها من ناقل ثقة أو بينة على خلاف ما سمعه من الفقيه ، وفي هذا الحال فان الأمر واضح جداً فانه يأخذ بقول الفقيه مشافهة لأن ما سمعه منه هو فتواه وقد تيقن منها وجداناً وقطعاً، وما سمعه من غيره هي فتواه تنـزيلاً وظناً ، والوجدان يُقدم على كل شيء ، وذلك لأن البيان الشفهي من الفقيه محرز بالوجدان وهو بحاسة السمع وهو قطعي ، والبيان الشفهي من قبل الناقل مُحرز بالإحراز التعبدي وهو ظني لأنه ناشئ من السيرة العقلائية وهي معتبرة مع عدم وجود ما هو أقوى منها ، ومن الواضح أن المُحرز الوجداني أقوى كشفاً وحكاية من المُحرز التعبدي الظني ، لأن التحفّظ على الفتوى تكون من قبل الفقيه أشد وآكد من التحفّظ عليها من قبل الناقل .
تنبيـه : في كل النسخ الموجوة لمنهج الصالحين الموجود هكذا (اذا تعارض النقلان) وهو غير صحيح بل الصحيح ما أثبتناه وهو (اذا تعارض الناقلان) والذي يرشدك الى ذلك قوله بعدها (يرجع الى الأوثق منهما ومع تساويهما...) وهو المطابق لكل رسائل العلماء. والحمد لله رب العالمين (فاضـل البديري 26رمضان1431هـ)