[size=18) ]مسألة (25: الظاهر أن المتجزئ يجوز له العمل بفتوى نفسه بل اذا عرف مقداراً معتداً به من الأحكام جاز لغيره العمل بفتواه إذا كان أعلم بتلك المسألة ، وينفذ قضاء المتجزئ أيضاً فيما هو مجتهد فيه ولو مع وجود الأعلم .
الشـرح
أولاً : في تعريف المجتهد المتجزئ
إن المجتهد ينقسم بالقياس الى طبيعة فتاويه من حيث السعة والضيق الى قسمين :
المجتهد المطلق : وهو الذي تم له إستنباط جميع أحكام الفروع الفقهية ومسائلها في جميع أبواب الفقه وشتى المقامات ، واستطاع أن يحرز ذلك بالأدلة المعتبرة ، وهذا تنطبق عليه ملكة الإجتهاد قهراً ، وهذا هو المعتبر في تقليد الغير له بلا ريب ، وهو واضح.
المجتهد المتجزئ : وهو الذي إستطاع أن يستنبط أحكاما شرعية لبعض أبواب الفروع الفقهية ، وليس لكل الأبواب ، وسبب ذلك إما لضيق وقته أو قلة مصادره أو عدم معرفته لتطبيق بعض القواعد والأصول ، وهذا له قسمان ذكرنا ذلك في المسألة السابقة :
الأول : عنده ممارسة إستنباطية إجتهادية لمسائل معتد بها في أبواب الفقه كأن يكون عدد المسائل ألف مسألة وهو مارس منها ما يقرب من النصف أو أكثر ، أو في باب العبادات وليست المعاملات ، فهذا لا محالة تنطبق عليه ملكة الإجتهاد قهراً، فهو مجتهد بالحمل الشائع .
الثاني : عنده ممارسة إجتهادية ولكنها لمسائل قليلة كمئة من الألف ، أو فقط في بعض مسائل باب الطهارة أو في بعض مسائل باب الصلاة وهكذا ، وهذا لا يسمى مجتهداً بالحمل الشائع من فضاكن يسمى مجتهداً في خصوص هذه المسائل بنحو من التسامح والتساهل.
ثانياً : في حكم تقليد المجتهد المتجزئ
والذي يظهر من سماحته (رضوان الله عليه) وهو الصحيح : أن المجتهد المتجزئ يجوز له الإعتماد على فتواه التى إستنبطها بل يحرم عليه تقليد الغير في هذه المسائل التي مارسها كما بيّناه في المسألة السابقة في القسم الأول إلاّ إذا كان هناك من يعتقد أنه أعلم منه، لأنه سيدخله في قسم المجتهد ، وقد ذكر سابقاً أن المجتهد يحرم عليه تقليد الغير.
وأما تقليد الغير له فلا مانع منه في القسم الأول فقط أي المجتهد في مسائل معتد بها عدداً ، وذلك لأنه في هذه الحالة تنطبق عليه ملكة الإجتهاد قهراً ، فهو داخل في دائرة المجتهد ، ولتوضيح الدليل نقول :
إن المتفحص المتأمل في قول أبي عبد الله (عليه السلام) في مقبولة ابن حنظلة الآنفة الذكر (انظروا إلى رجل منكم قد روى حديثنا وعرف أحكامنا ونظر في حلالنا وحرامنا فارضوا به حكماً فإني قد جعلته عليكم حاكماً...) يجد أن لها ظهورين : ظهور أولي إبتدائي : وهو ظهورها في أن (العارف بأحكامهم) و(الناظر في حلالهم وحرامهم) هو المحيط إحاطة تامة وشمولية بجميع أحكامهم (عليهم السلام) وهذا لا يتسنى إلاّ للمجتهد المطلق الفذ، فالمجتهد المتجزئ غير مشمول بهذه الدائرة لأنه غير محيط بتلك الشمولية ، من فضاكن هذا الظهور الأولي متعذر حتى على المجتهد المطلق في حقيقة الأمر، لأن هذه المرتبة من الإحاطة لا يدركها أحد لأن أحكامهم متشعبة ودقيقة بحيث لا يحيط بها إلاّ هم (عليهم السلام) لأنه أحكام واقعية وهذا يعني ان هذه الإحاطة هي إحاطة شمولية واقعية وهي متعذرة على غير المعصوم (عليه السلام)، فاذن لابد من رفع اليد عن هذا الظهور الأولي والإعتماد على الظهور الثانوي.
وظهور ثانوي : وهو ظهورها في أن (العارف بأحكامهم) و(الناظر في حلالهم وحرامهم) هو المحيط بإحاطة شبه شمولية بأحكامهم (عليهم السلام) بمعنى أن الإحاطة هنا هي الإحاطة الشمولية الإضافية أي بالإضافة الى المقدار المتناسب مع الإحاطة الواقعية ، وهذا يتم بالإحاطة بجزء معتد من أحكامهم بحيث تتناسب حجماً مع حجم أحكامهم، فالإحاطة هنا لها ثلاثة أقسام كما بيّناه أعلاه: (المجتهد المطلق والمجتهد المتجزي المعتد به والمجتهد المتجزئ جداً) فاذن لا بد للمجتهد من معرفة جملة من الأحكام حتى تصحح تلك النسبة والإضافة أي نسبته الى (أنه عارف بأحكامهم) وهذه النسبة إنما تصدق في حق الفقيه الممارس في إستنباط جملة معتد بها من مسائلهم وأحكامهم (عليهم السلام) في المقامات المتعدد والأبواب المختلفة ، فلو كانت أحكامهم الفي حكم فالعارف بالألف ونصف يسمى عارف بأحكامهم لأنه عارف بنسبة معتد بها ، وكذلك العارف بألف او بسبعمئة وما يقرب منها ، فدائرة الإستنباط الفعلي ملازمة قهراً ووجداناً لإطلاق ملكة الإجتهاد عليه ، وهذا بطبيعة الحال ينطبق على الأوليين فقط أي على المجتهد المطلق وعلى المجتهد المتجزئ بالمعنى الأول.
وأما المجتهد الذي عرف بعض الأحكام كمئة من ألفين أو خمسين من ألف فهذا لا يسمى عارفاً بأحكامهم ولا ناظراً في حلالهم وحرامهم ، لأنه لا توجد تلك النسبة التي تصحح تلك الإضافة الى احكامهم فهو ليس عارفاً بها لأن المسافة بعيدة جداً بينهما.
فان قلت : أن هناك رواية أبي خديجة تصحح ذلك وهي قوله (عليه السلام) فيها : (إنظروا الى رجل منكم يعلم شيئاً من قضايانا فاجعلوه بينكم فاني قد جعلته قاضياً فتحاكموا اليه) فان الذي يعرف شيئاً من قضاياهم (عليهم السلام) ومهما كان حجمها فهو يسمى (عالم بشيئ من بقضاياهم) فينطبق عليه عنوان المنصوب من قبل الإمام (عليه السلام) فينطبق على المتجزئ مطلقاً وإن كان في مسائل ضئيلة جداً.
ولكننا نقول : إن هذا من الغرائب العجائب وذلك لأن عنوان (قضايانا) عنوان واسع وفيه من الشمول لأكبر عدد مما هو واضح ، وهذا العنوان لا يصدق على من مارس عملية الإستنباط في مئة مسألة من ألفين مثلاً ، بل يصدق على من مارس الإستنباط في جملة معتد من أبواب الفقه المتعددة والفروع المختلفة لأنه هو هذا الشخص العارف بشيئ من هذه القضايا الذي يكون ملازم لإطلاق الملكة عليه ، ألا ترى أن الذي يأخذ قدحاً من ماء البحر لا يسمى في النظر العرفي أنه آخذ لشيء من ماء البحر ، من فضاكن الذي شق نهراً من البحر أو قناة أو بحيرة فانه لا ريب في أنه يقال عنه أنه أخذ شيئاً من ماء البحر ، فاذن الذي استنبط عشرين مسألة أو خمسين من ألف مسألة لسهولة مدركها أو لوضوحها لا يسمى (علم شيئاً من قضاياهم) بعد معرفة أن قضاياهم واسعة شاملة كالبحر والقدح ، بل حرام عليه أن يوصّف نفسه بأنه مجتهد .
ومن هذا البيان كله إتضح لك جلياً مدرك ودليلية هذه المسألة وأن الحق الحقيق أن المجتهد المتجزئ على النحو الأول أي الذي عرف ومارس الإستنباط في جملة معتد بها من الفروع والأبواب الفقهية فانه يصدق عليه أنه مجتهد لإنطباق ملكة الإجتهاد عليه قهراً فاذا كمُلت باقي الشرائط ولا سيما أعلميته في هذه المسائل التي استنبطها فانه يجوز للغير تقليده في هذه المسائل إذ لا مانع منه لأنه واقع تحت عنوان (العارف باحكامهم) و(العالم بشيئ من قضاياهم) و(الناظر في حلالهم وحرامهم).
تنبيه : قوله (رضوان الله عليه) : (الظاهر أن المتجزئ يجوز له العمل بفتوى نفسه ...الخ) ليبّن أن المسألة خلافية وفيها قولان رئيسيان وأن كلاهما قويان مبتنيان على مدارك ومباني فقهية ثابتة والقول الآخر أن المتجزي لا يحق له ذلك لما أوضحناه من الدليل من أنه لاينطبق عليه (العارف بأحكامهم) ولا (الناظر في حلالهم وحرامهم) لأن المراد منها كل الأحكام وكل الحلال والحرام وهذا غير متيسر للمتجزئ لأنه يعرف البعض ، ولذا قال (الظاهر) فان مختاره من القولين الجواز وهو ظاهر الدليل أي ظاهر رواية ابن حنظلة ورواية أبي خديجة ، وهذا يحتاج الى إعمال الفقاهة أكثر ، ولذا نسبه الى الظاهر وكيف ما كان فهي فتوى منه بما قال .
ثالثاً : في حكم قضاء المجتهد المتجزئ.
ومن هذا البيان ايضاً إتضح مدرك ودليل قوله (رضوان الله عليه) : (وينفذ قضاء المتجزئ أيضاً فيما هو مجتهد فيه ولو مع وجود الأعلم) لأنه مشمول بتلك العناوين التي ذكرناها أعلاه فهو منصوب من قبل الإمام (عليه السلام) من فضاكن في خصوص المسائل التي مارس إستنباطها بنفسه واجتهد فيها ، حتى ولو كان هناك من هو أعلم منه لأن القضاء لا نشترط فيه الأعلمية بعكس تقليد الغير له ، كما أوضجنا ذلك مفصلاً . (فاضـل البديـري 10رمضان1431هـ)[/size]