مسألة (16) : إذا تردد المجتهد بالفتوى أو عدل من الفتوى الى التردد فالأحوط هو العمل بالإحتياط .
الشـرح
أولاً : إذا تردد المجتهد بالفتوى كأن يقول على تردد أو القول فيها مشكل أو توقف ولم يُفتِ جازماً بل فقط إقتصر على ذكر الأقوال في المسألة ولم يعطِ رأيه ، فهذا يعني أن الفقيه لا رأي له في هذه المسألة ، فهو يرى في نفسه انه عاجز عن الوصول الى الحكم وهذا معناه أنه عاجز عن الوصول الى الإنتهاء الى الكتاب والسنة في خصوص هذه المسألة فهو ليس الأعلم في هذه المسألة، فالعقل يحكم على هذه المسألة بأنها مسلوبة الحجية ولا تمثل حكم المولى ، ولأجل أنه مذعن بمولوية المولى ، فلا يرى ان هذا العمل يجتزئ به العبد في إمتثال مرامات المولى وتكاليفه والخروج عن عهدة تكاليف وإلزامات المولى ، فاذا كانت كذلك فكيف يسوغ للعامي العمل على طبقها وعقله يرفض ذلك؟ والعقل نعم الرسول ونعم الظهير، والفقيه بهذه الحالة قد عنونه العقل بليس بأعلم في هذه المسألة فليس هو الأشد خبرة ، فانتفى ملاك التقليد عنه ، وهو الحكم العقلائي العام برجوع فاقد الحجية الى واجدها ، وقد افترضنا أنه الآن أصبح فاقد الحجية ، فمقتضى الحكم العقلائي هو الخروج عن عهدة هذه المسألة وذلك باللجوء الى المبرّء العقلي والمؤمّن له وليس عنده من مؤمّن إلاّ أمران : إما الإحتياط وإما الرجوع الى الأعلم .
ويعني سماحته (رضوان الله عليه) بالإحتياط هنا ليس هو الإحتياط الإلزامي الفحصي الذي سنحرره لاحقاً بل المراد منه هو الإحتياط التوقفي أي الناشيء من التوقف نتيجة لعدم تمامية الفحص اللازم ، ولذا لم يُرجع المكلف الى الأعلم بل أرجعه الى العمل بالإحتياط ، لأنه إذا كان هو الأعلم وقد توقف في المسألة فكيف بغيره .
ثانياً : إذا كان الفقيه جازماً بالفتوى ثم بعد ذلك تردد فيها ، وقال : ما أفتيت به سابقاً أتوقف فيه الآن أو عندي فيه إشكال ، أو غير متأكد منها ونحو ذلك ، فانه لا محالة قد خرج عن كونه أعلم وعن كونه أشد إنتهاءً الى الكتاب والسنة ، وما هذا حاله فان العقل يحكم عليه بعدم الخبروية الشديدة ويحكم على المكلف أن يأتي بالمؤمن العقلي للخروج عن عهدة تكاليف المولى وذلك لا يتم إلاّ بالعمل بالإحتياط لأنه أقوى المؤمّنات العقلية وإن لم يتيسر له ذلك فلابد له من الذهاب الى أعلم الخبراء.
هذا هو مقتضى الأصل في هذه المسألة بفرعيها ، وقد إحتاط وجوباً (رضوان الله عليه) بالأخذ بالإحتياط بالرجوع الى الإحتياط وأخذ أحوط الأقوال في المسألة ، ولم يُرجعه الى الأعلم مباشرة لما قلناه من الأعلم إذا توقف في المسألة معناه أن غيره لا يمكنه حصول الجزم ، لأنه على الفرض قد فرضناه أنه هو الأعلم ، فهذه المسألة والحكم بالرجوع الى الإحتياط لا الى الأعلم بناءً على أنه لا يوجد أعلم غيره ، وأما إذا وجد من هو أعلم منه فيتعين الأخذ منه راساً بل العدول اليه ، وإذا وجد من هو مساوٍ له بالأعلمية جاز له الرجوع اليه لا الى الإحتياط لأننا قلنا سابقاً أنه لا مانع من التخيير بينهما إذا تساويا بالأعلمية.. (فاضل البديري 18شعبان 1431هـ)