مسألة (10) : إذا علم أن أحد الشخصين أعلم من الآخر فان لم يعلم الإختلاف بالفتوى بينهما تخيّر ، وإن علم الإختلاف وجب الفحص عن الأعلم ، ويحتاط وجوباً في مدة الفحص ، وله أن يعمل خلالها بمن كان مقلّداً له قبل وفاته ولو مع ثبوت كونه مفضولاً ، فان عجز عن معرفة الأعلم فالأحوط وجوباً الأخذ بأحوط القولين مع الإمكان ومع عدمه يختار أحدهما إلاّ إذا كان إحتمال الأعلمية في أحدهما أكبر .
الشـرح
أولاً : أما في الصورة الأولى أي في صورة إحرازه لأعلمية أحدهما إلاّ أنه لا يعلمه بعينه ولم يعلم الإختلاف بينهما في الفتوى فجاز له أن يقلّد أيهما شاء ، وأن يستند في العمل الى أي فتوى منهما ، وذلك لأن أدلة حجية الفتوى من السيرة العقلائية والإطلاق في الروايات وكذلك الإجماع تدل على أن حجية الفتوى مجعولة بنحو صرف الوجود ، أي المطلوب هو إيجاد العمل إستناداً الى تلك الفتوى وهذا حاصل غاية الأمر هو حاصل بالنسبة الى الكلي ، وذلك لأن الفتوى وأمثالها من الأمارات الشرعية موجودة بنحو التيسير والتسهيل والإرفاق ، فما دام قد أوجد العمل على طبق فتوى المجتهد الأعلم وإن لم يعرفه فهو قد أوجد الإستناد في العمل اليه وبهذا فقد حصّل على المؤمّن العقلي من المخالفة لأنه قد استند الى حجة وهي إتيان العمل على طبق فتوى المجتهد الذي عليه أن يقلّده ، وهذا هو معنى التقليد.
ثانياً : أما في الصورة الثانية التي يعلم أن هناك أعلم ولكنه موجود بين جماعة ولا يعرفه بعينه ويعلم أن هناك إختلافاً في الفتوى فيجب الفحص عن الأعلم وهذا الوجوب عقلي ، وذلك لحكم العقل المذعن بمولوية المولى هو إتيان تكاليف المولى المعلومة بالإمتثال المحقق لأغراض المولى ولا يحصل ذلك إلاّ بالخروج عن عهدة التكليف الذي في ذمته بوجوب تحصيل الطريق القطعي وإذا لم يتيسر فالطريق الأقوى ظناً وهذا لا يحصل إلاّ بتقليد الأعلم ولما كان غير معروف من بين هؤلاء فيجب الفحص عنه عقلاً ليحصل على المؤمّن من الوقوع في مخالفة المولى ، لأنه مخاطب بأن يأتي بتكاليف المولى عن حجة منصوبة من المولى ، وما دامت هناك حجة من فضاكنها غير معروفة يجب الوصول اليها بالفحص عنها مهما أمكن ، ولا مجال هنا للتخيير لأن معناه إستناد العمل الى محتمل الحجية ومظنونها لأن هناك طريقين أحدهما حجة والآخر ليس بحجة فلو تخير فيمكن ان يكون قد استند الى طريق ليس حجة أو مظنون الحجية ، ومن المعلوم أن مظنون الحجة ليس بحجة .
ماذا يعمل في فترة الفحص
أما مع تردد الحجة عنده بين طريقين ، فلابد له من تحصيل الطريق المبرّئ لعمله وذلك لا يتم إلاّ بالتقليد أو الإحتياط أو الإجتهاد ، اما الإجتهاد فغير حاصل لأننا فرضناه عامي ، وأما التقليد فاما أن يكون للكل وهو غير ممكن لأنه سيكون الفعل مستنداً الى عدة إستنادات وكل استناد يختلف عن سنخ الآخر ، وإما أن يكون لأي أحد على نحو التخيير فهو لا ينفع لإحتمال أن يستند الى فتوى هي غير حجة لإختلاط الحجة بغير الحجة ولا يوجد مميّز في البين فيكون عمله باطلاً، فتعيّن الإحتياط أي يأتي بأحوط الأقوال في المسألة إذا كانت المسالة تتحمل الإحتياط بحيث لا مانع منه شرعاً كما أوضحنا ذلك في المسالة الثانية، فان لم يعرف موارد الإحتياط يأتي بكل محتملات تحقيق العمل الإمتثالي ، فمن علم أن أحد المجتهدين افتى بوجوب القصر في جميع المشاهد المشرفة ، وأفتى الآخر بوجوب التمام ويعلم أن أحدهما اعلم أو لا يعلم أيهما الأعلم فعليه خروجاً من عهدة التكليف أن يجمع بين الإحتمالين ويأتي بصلاتين ، وهكذا فيما لو علم بأن أحدهما أفتى بمفطرية الإرتماس في الماء والآخر أفتى بعدم مفطريته فانه لابد أن يأتي بالموافق للإحتياط وهو عدم الإرتماس خروجاً يقينياً عن عهدة التكليف لأن الإشتغال اليقيني يستدعي الفراغ اليقيني ، فتحصل أن من كان عليه أن يقلّده ويرجع اليه غير معروف فلا عذر له إلاّ بالإتيان الإمتثالي المحقق لغرض المولى قطعاً وليس هو إلاّ الإحتياط بمعنييه المتقدمين .
هل يعمل على رأي مقلدّه المتوفى؟
تارة يكون مقلّده الأول هو الأعلم وهنا لا ريب في وجوب البقاء عليه بعد وفاته ، لأنه كان حجة عليه وهي باقية ولم تعارضها حجة أقوى منه .
وأخرى يكون مقلّده الأول ليس هو الأعلم ، بل يعلم ان الحي هو الأعلم من فضاكنه لا يعرفه بعينه ، ففي هذه الحالة أيضاً يجوز له البقاء عليه ، لأنه كان حجة عليه في اثناء حياته ، وبعد موته ومجيئ من هو أعلم منه ولأجل عدم تعيّنه ومعرفته فانه إذا استند في عمله الى فتوى الحي فانها تعارض بالفتوى الثانية للحي الآخر ولا يعلم أيهما هي الفتوى في حقه لعدم تعيين حجية أحدهما لعدم علمه بأعلمية أحدهما فتتعارضان ويتساقطان فلم يبقّ امامه إلاّ البقاء على فتوى مقلّده الميّت ، أو يرجع الى الإحتياط .
عود على بدء
وهنا ثلاثة فروع :
الأول : ان عجز عن معرفة الأعلم فيتعين عليه الأخذ بأحوط القولين إذ لا طريق له غيره ، لما قلناه سابقاً لأنه مخاطب بتفريغ ذمته من عهدة تكاليف المولى المعلومة ، ولم يكن الطريق أمامه مفتوحاً فيحكم عليه العقل بالإتيان الذي يعتقد انه مبرّئ له ومؤمّن وليس هو الإّ الإتيان بأحوط القولين وهذا ما أوضحناه سابقاً.
الثاني : إذا لم يمكنه الإحتياط بقسميه لا الإحتياط بمعنى الإتيان بأحوط القولين إما لتعذّره أو لعدم إحرازه ولا الإحتياط بمعنى الإتيان بجميع المحتملات لأننا قلنا سابقاً مع وجود التقليد لا مجال للإحتياط إلاّ في بعض الموارد التي لا مانع فيها من الإحتياط فان تعذرت هنا كمن علم بأن أحدهم أفتى بالحرمة والآخر أفتى بالوجوب فهنا لا يمكن الإحتياط ففي هذه الحالة الباب كله مفتوح أمام التخيير ، ويكون عمله حينئذ عملاّ بالحجة لأن أدلة حجية الفتوى إنما هي من باب التسهيل والإرفاق على الأمة فاكتسبت هذه الفتوى الإختيارية هذه الحجية من هذا الحيث أي من حيث التسهيل ، وكفى به نعم الحجة .
الثالث :نعم لو كان إحتمال الأعلمية في أحدهما أقوى من الآخر فانه يجب الأخذ بقوله لأن في الأخذ بقوله أخذا لمحتمل الحجة القوية والعقل يحكم بوجوب دفع الضرر المحتمل وفي الأخذ بقول غير المحتمل الأعلمية هو اخذ لما فيه إحتمال الضرر .
(فاضـل البديـري29رجب1431هـ)