التكبّر وحقيقته
قال علماء الأخلاق : إنّ أساس التكبّر وتعريفه هو أن يرى الإنسان علوّاً وتفوقاً على غيره، وعليه فالتكبّر يتكون من ثلاثة أركان :
الأوّل : أن يرى لنفسه مقاماً ومرتبة معيّنة.
الثاني : أن يرى لغيره أيضاً مقاماً معيّناً.
الثالث : أن يرى مقامه أعلى من مقام الآخر ويشعر بالراحة والفرح لأجل ذلك.
وعلى هذا الأساس قالوا: إنّ التكبّر يختلف عن العُجب، ففي العجب لا توجد مقارنة مع الآخر، بل إنّ الإنسان يتملّكه حالة من رؤية العظمة في نفسه بسبب العلم أو الثروة أو القدرة أو حتّى العبادة حتّى لو لم يكن إنسان آخر على وجه الأرض، ولكن في حالة التكبّر هناك مقارنة مع الآخرين حتماً بحيث يرى نفسه أعلى منهم.
إنّ مفردة «الكبر والتكبّر» تارة تطلق على الحالة النفسية الّتي ذكرناها آنفاً، وتارة اُخرى تطلق على العمل أو الحركة الناشئة من تلك الحالة النفسانية، مثلاً أن يجلس الإنسان أو يسير بخطوات أو يتحدّث بحديث يظهر منه انه يرى لنفسه تفوقاً على أقرانه وجلسائه، فمثل هذه الأعمال والسلوكيات تسمّى بالتكبّر أيضاً والّتي تمتد في جذورها وأصلها إلى تلك الحالة الباطنية والنفسانية الذميمة.
إنّ علائم التكبّر كثيرة، منها أنّ المتكبر يتوقع اُموراً كثيرةً من الناس مثل أن يتوقع منهم أن يسلموا عليه، وأن لا يدخل أحداً إلى المجلس قبله، وأن يجلس في صدر المجلس دائماً، والناس لا يرون لأنفسهم شخصية أمامه ولا يتكلمون معه من موقع الانتقاد والنقد بل حتّى من موقع النصيحة والموعظة فيحفظون احترامه وحرمته دائماً ويقفون أمامه موقف الخاضع الخاشع ويتحدثون بعظمته ومقامه السامي دائماً.
ومن البديهي أنّ ظهور وبروز هذه الحالات في ممارسات الإنسان وسلوكياته تابع لدرجة شدّة وضعف حالة التكبّر في واقعه النفساني، ففي بعض الموارد تتجلّى هذه العلامات جميعاً، وفي بعضها الآخر يتجلّى قسم منها.
هذه الحالات والسلوكيات في الواقع الخارجي لها جذور باطنية وأحياناً تكون ضعيفة وخفيّة إلى درجة إن الإنسان نفسه لا يشعر بوجودها بل قد يتصور هذه الصفة الذميمة من موقع نقطة القوّة (من قبيل الاعتماد على النفس وتوكيد الذات والشخصية) فتختلط عليه الحالة، وأحياناً تكون ظاهرة إلى درجة أنّ الآخرين أيضاً يدركون وجودها في هذا الإنسان.
المصدر: الأخلاق القرآن