تهذيب النفس الأخلاق البيتية الشيخ مظاهري
سبق
وأن تعرضنا إلى خمسة فوائد يمكن أن يحظى بها الفرد من تشكيل الأسرة، وفي
هذا الفصل سنتعرض إلى فائدة سادسة يمكن إضافتها إلى تلك الفوائد الخمس وهي:
تهذيب النفس أو ما يصطلح عليه بالتحلية. إن
الرجل والمرأة يتأتى لهما تهذيب نفسيهما داخل المنزل، وتتحليان بالفضائل
والصفات الحميدة، أي أنهما يستطيعان بلوغ مقام التخلية بالإضافة إلى مقام
التحلية.
إن
علماء الأخلاق يعتبرون بلوغ هاتين المرحلتين أو المقامين أمراً صعباً. أي
أن من الصعب على الفرد الحامل للصفات الرذيلة التخلّي عن تلك الصفات، وقلع
جذورها من الأساس، وزرع شجرة الفضيلة في نفسه كي تنبت بدل الصفات الرذيلة،
صفات إنسانية حميدة.
(فلا اقتحم العقبة، وما أدراك ما العقبة، فكّ رقبة) (البلد /11 ـ 13).
إن
الإنسان يستطيع أن يصل إلى مقام التخلية، إلى المقام الذي يتحرر فيه من
الصفات الرذيلة بالرغم من الصعوبة التي يلاقيها على هذا السبيل، والأمر
الأصعب من ذلك هو ذلك الذي يزرع الإنسان فيه نبتة الخير في نفسه ليبلغ مقام
التحلية أو مقام التزين والتحلّي بالصفات الحميدة والسامية.
وبناء
على ذلك يستطيع الفرد قلع جذور الجزع والفزع من قلبه ليزرع في مكانها ملكة
الصبر، ولكن هذا الأمر يحتاج إلى مواظبة واستمرارية في العمل، لأن النفس
الأمارة بالسوء إذا ما تُركت على هواها انساقت خلف الموبقات، وإنها ـ أي
النفس ـ كالفيل الذي ينبغي أن يضربه صاحبه بالمطرقة على رأسه باستمرار،
فإذا غفل عنه لحظة ولم يطرق على رأسه، انحرف به إلى حيث الهلكة.
إذن،
يستطيع الإنسان أن ينال المقام السامي الرفيع إذا سعى جاهداً لذلك، وتمكن
من الصفات الرذيلة، ومن ثم أوجد الصفات الفاضلة في نفسه ونماها ليل نهار كي
تثمر ثمراً طيباً، وأن الأنبياء والرسل جاؤوا من أجل هذه القضية، بالإضافة
إلى أن كتبهم جميعاً كانت تحت على ذلك.
وفي القرآن آيات كثيرة تبيّن لكم صحة ما نقول منها:
(هُو الذي بعث في الأميّين رسولاً منهم يتلو عليهم آياته ويزكيهم ويعلّمهم الكتاب والحكمة) (الجمعة/2).
إن
الرسول الأكرم صلى الله عليه وآله جاء بمعجزة القرآن لكي يهذب الناس
ويزكيهم ويرفع من مستواهم العلمي، وأن الأنبياء لم يوافقوا لهذا العمل
الشاق بالرغم من مساعيهم الجادة على هذه الطريق.
إن
على الرجل والمرأة أن يلتفتا إلى أن البيت هو أفضل مكان للتربية والتعليم،
وإنهما كمعلم الأخلاق لا يفرقان عنه شيئاً، بل قد يكونا أفضل منه إذا كانا
جادّين في عملهما من أجل الله تعالت أسماؤه، لذا يمكن القول بأن تشكيل
الأسرة يعتبر بمثابة تشكيل مجلس للأخلاق.
فمعلّم
الأخلاق يسعى من جل تهذيب تلميذه، وبعد التهذيب يسعى مرة ثانية ويجاهد من
أجل رفعه إلى مقام التحلية، أي التحلي بالصفات والفضائل الإنسانية، ولكن قد
يصادف التلميذ معلماً يهذّبه، وفي أثناء التهذيب يسعى الجرّ رجله إلى
الصفات والفضائل الإنسانية، وهذا ما تفعله الأسرة مع أبنائها. فالزوج يهذّب
زوجته، والزوجة تسهم في تهذيب زوجها، وكلاهما يسعى من أجل تهذيب الأبناء،
وإيصالهم إلى الفضائل الإنسانية الحسنة، وعليه يمكن أن نقول إن الأسرة في
واقع الأمر تقوم بعملين في آن واحد.
المصدر : الأخلاق البيتية الشيخ مظاهري