الأخلاق الحسنة والآثار التي تترتب عليها د. غصون سعد الساعدي
من الآثار العظيمة التي تترتّب على حسن الخلق :
الأثر الأوّل : تكامل الإيمان :
ذلك
لأنّ الدين الإسلامي في نظر أهل البيت ( عليهم السلام ) ليس مجرد علاقة
بين العبد وربّه ، وإنّما هو علاقة بين العبد وبين أخيه العبد ، ولم تتم
علاقة الإنسان مع ربّه لم تقبل أعماله وعباداته إلاّ إذا تمّت علاقة مع
أخيه الإنسان .
عن الإمام الباقر ( علية السلام ) : ( إنّ أكمل المؤمنين إيماناً أحسنهم خلقاً ) .
وفي
الخبر ذكرت امرأة عند الرسول الأكرم ( صلى الله عليه وآله ) وأحسن الثناء
عليها من جهة صيامها وقيامها ، فقال الرسول ( صلى الله عليه وآله ) : ( كيف تعاملها مع جيرانها ) ؟ قيل : هي امرأة تسبّ وتشتم ! فقال ( صلى الله عليه وآله ) : ( لا حاجة لله في قيامها وصيامها ) .
وفي خبر آخر سمع الرسول ( صلى الله عليه وآله ) في نهار رمضان امرأة تشتم جاريتها أو جارتها ، فدعا بطعام وقال لها : ( كلي ، قالت : يا رسول الله ، كيف آكل وأنا صائمة ! فقال ( صلى الله عليه وآله ) : وكيف تكوني صائمة وقد شتمتِ جارتك ) ! يقول الإمام الصادق ( عليه السلام ) : ( من أراد أن يعلم أقبلت صلاته أم لم تقبل ، فلينظر هل منعته عن الفحشاء والمنكر ، فبقدر ما تمنعه تقبل منه ) .
الأثر الثاني : مضاعفة الحسنات وغفران السيئات :
قال رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) : ( إنّ صاحب الخلق الحسن له مثل أجر الصائم القائم ) .
وعنه ( صلى الله عليه وآله ) : ( ما يوضع في ميزان امرئ يوم القيامة أفضل من حسن الخلق ) .
وعن الإمام الصادق ( عليه السلام ) : (
ما تقدّم المؤمن على الله عز وجل بعمل بعد الفرائض أحب إلى الله تعالى من
أن يصنع الناس بخلقه ) ، وعنه ( عليه السلام ) : ( إنّ الخلق الحسن ليميت
الخطيئة كما تميت الشمس الجليد ) .
الأثر الثالث : السعادة الأبدية من خلال الفوز بالجنّة والنجاة من النار :
قال رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) : ( أكثر ما تلج به أمّتي الجنّة تقوى الله وحسن الخلق يعمّران الديار ويزيدان في الأعمار ) .
وجاء في الأثر أنّ الله تعالى أدخل كافراً الجنّة لأنّ أربعين رجل شهدوا له بحسن الخلق .
وقد قال العارفون قديماً : حسن الخلق حسنة لا تضر معها كثرة السيئات ، وسوء الخلق سيئة لا تنفع معها كثرة الحسنات .
والسؤال الذي نحاول الإجابة عليه من خلال هذه السطور المتواضعة :
لماذا تترتّب على الأخلاق الحسنة مثل هذه الآثار العظيمة ؟ إنّه ومن خلال
معرفة قيمة الأخلاق في نظر الإسلام يتجلّى لنا الجواب الأمثل على هذا
السؤال ، ففي نظر الدين الإسلامي لا تشكّل الأخلاق الحسنة جانباً مهمّاً من
جوانب الدين فحسب ، وإنّما هي تشكّل العمق والواقعية .
لماذا بعث الرسول ؟ ولماذا أنزل القرآن ؟ ولماذا ختمت الشرائع بشريعة الإسلام ؟
الجواب : يقول الرسول الأكرم ( صلى الله عليه وآله ) : ( إنّما بعثت لأتمّم مكارم الأخلاق ) .
وفي
رواية : جاء رجل إلى رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) من بين يديه فقال :
يا رسول الله ما الدين ؟ فقال : ( حسن الخلق ، ثمّ أتاه من قبل يمينه
فقال : يا رسول الله ما الدين ؟ فقال : ( حسن الخلق ، ثمّ أتاه من قبل
شماله فقال : يا رسول الله ما الدين ؟ فقال : ( حسن الخلق ...) ، وفي
الخبر : (الدين المعاملة) .
فالدين
الإسلامي وإن تركّب من أصول تشكِّل جانب الاعتقاد ، وفروع تشكّل جانب
العمل ، إلاّ أنّه في نظر أهل البيت ( عليهم السلام ) ينصهر مع حقيقة واحدة
، وهي حقيقة الخلق الحسن والنبيل .
الخلق
الحسن الذي يمكن أن يظفر به الإنسان في علاقته مع الله تعالى من خلال
معرفته ومعرفة صفاته وأسمائه ، ومن خلال الالتزام بتطبيق جميع أوامره
ونواهيه ، وفي علاقته مع الناس من خلال ترك جمع الصفات السيّئة والاتصاف
بجمع الصفات النبيلة والفاضلة .
رحابة التعاليم الأخلاقية :
ولأنّ
الأخلاق الحسنة تشكّل عمق الدين ، والتعاليم الإسلامية تحث المسلم نحو حسن
الخلق ليس مع إخوانه المسلمين فحسب ؛ بل حتّى مع المخالفين له في المنهج
والاعتقاد ، يقول الله تعالى : ( لَا
يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ
وَلَمْ يُخْرِجُوكُم مِّن دِيَارِكُمْ أَن تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا
إِلَيْهِمْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ ) (الممتحنة :8 ) . ويقول رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) : ( ألا ومن ظلم معاهداً أو انتقصه أو كلّفه فوق طاقته ، أو أخذ منه شيئاً على غير طيب نفس فأنا حجيجه يوم القيامة ) .
وجاء في عهد الإمام علي ( عليه السلام ) : (
وأشعر قلبك الرحمة للرعية والمحبّة لهم ، واللطف عليهم ، ولا تكونن عليهم
سبعاً ضارياً تغتنم أكلهم ، فإنّهم صنفان : إمّا أخ لك في الدين ، وإمّا
نظير لك في الخلق ) .
ويقول ( عليه السلام ) : ( يا مالك ، الناس ينقسمون إلى قسمين :
القسم الأوّل : وهم الذين يتّفقون معك في الفكر والعقيدة ، وعليك أن تحترمهم وتقدرّهم لوحدة الفكر والهدف .
القسم الثاني :
وهم الذين يختلفون معك في العقيدة ، وعليك أن تحترمهم وأن لا تعتدي عليهم ،
لأنّهم بشر يملكون مشاعر وأحاسيس ، فهم وإن اختلفوا معك في الاعتقاد إلاّ
أنّ هذا الاختلاف يجب أن لا يكون مسوقاً لسوء الخلق ) .
وقال الإمام الصادق ( عليه السلام ) لشيعته : ( ردّوا الأمانة إلى أهلها وإن كانوا مجوساً ) .
وقال
له أحد أصحابه وأتباعه : وقع لي مال عند يهودي فكابرني عليه وحلف ، ثمّ
وقع له عندي مال فهل آخذه عوضاً وأجحده وأحلف عليه كما صنع ؟ فقال الإمام (
عليه السلام ) : ( إذا خانك فلا تخنه ، ولا تدخل فيما عبته عليه ) .
أهل البيت ورحابة الخلق :
وقد
سجّل لنا التاريخ وقائع كثيرة تتجلّى لنا من خلالها رحابة الإسلام في
تعاليمه الخلقية ، فهذه أخلاق أهل البيت ( عليهم السلام ) شاهدةً بعد أن
جسّدت لنا معنى أن يحافظ الإنسان على قيمه وأخلاقه حتّى مع المخالف في
المذهب والدين .
فقد
شكا يهودي علي بن أبي طالب ( عليه السلام ) للخليفة عمر ، فقال عمر لعلي (
عليه السلام ) : قم يا أبا الحسن واجلس بجنب خصمك اليهودي ، ففعل الإمام
علي ( عليه السلام ) وعلى وجهه علامة التأثّر ، فلمّا فصل عمر قال للإمام
علي ( عليه السلام ) : أكرهت أن تساوي خصمك ؟
قال : ( لا ، ولكن تألّمت لأنّك ناديتني بالكنية ، فلم تساوي بيننا ، فخشيت أن يظنّ اليهودي أنّ العدل ضاع بين المسلمين ) .
وعن الإمام الباقر عن أبيه ( عليهما السلام ) : (
إنّ علياً ( عليه السلام ) صاحب ذمّياً ، فقال الذمّي أين تريد يا عبد
الله ؟ قال : أريد الكوفة ، فلمّا عدل الطريق بالذمّي عدل معه علي ( عليه
السلام ) ، فقال له الذمّي : أليس زعمت تريد الكوفة ؟ قال ( عليه السلام ) :
بلى ،فقال الذمّي : فقد تركت الطريق ، فقال ( عليه السلام ) : علمت . فقال
له : فلم عدلت معي وقد علمت ذلك ؟ فقال ( عليه السلام ) : هذا من تمام حسن
الصحبة ، أن يشيع الرجل صاحبه هنيهة إذا فارقه ، بكذا أمرنا نبينا ( صلى
الله عليه وآله ) ، فقال له : بهذا ؟ فقال : نعم . فقال الذمّي : لا جرم
إنّما تبعه من تبعه لأفعاله الكريمة ، وأنا أشهد أنّي على دينك ، فرجع
الذمّي مع علي ( عليه السلام ) وأسلم ) .
وممّا ينقل في ذلك أنّ ابن عباس أمر غلامه بعد سلخ شاة أن يبدأ بجاره اليهودي ، وكرّر أمره له حتّى قال الغلام : كم تقول ذلك ؟ فقال : إنّ رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) لم يزل يوصينا بالجار ، حتّى خشينا أنّه سيورّثه .
ليس
من العجب أن تتمتّع الشريعة الإسلامية بهذه التعاليم العالية ، فالخلق
الحسن يشكّل واقع الدين ، والإنسان مطالب بحفظ دينه وتديّنه في كلّ الأحوال
وعلى جميع الأصعدة في معاملاته وأخلاقه ، سواء كان التعامل مع الموافق في
المذهب والاعتقاد أو لم يكن
المصدر : شبكة الامامين الحسنين