[size=16]بسم الله الرحمان الرحيم
وبه نستعين من الشيطان الرجيم وافضل الصلاة والسلام على اشرف الخلق و المرسلين محمد بن عبد الله واله المنتجبين
يقال: إن رجلاً أنكر وجود الله، وقال: إن كل شيء موجود لابد وأن يدرك بإحدى الحواس الخمس: العين والأذن والأنف واللسان واللمس،
وأنا لم أرى الله، ولم أسمع صوته، ولم أشم ريحه، ولم أتذوق طعمه، ولم ألمس جسمه.
فصنع رجل ـ سمع مقالة الرجل المنكر ـ كرتين، كرة من خشب وكرة من حديد،
وصبغهما ثم أتى بهما إلى المنكر، وقال: إن هاتين كرتان، صنعتْ إحداهما من خشب والأخرى من حديد،
فهل تتمكن أن تحكم بمجرد نظرك إليهما بأن أيهما حديد وأيهما خشب؟
فنظر المنكر إليهما، وقال: لا أتمكن من التميز بالنظر.
قال المثبت: فادن سمعك إليهما، لعلك تسمع صوتهما وتميزهما.
فأدنى المنكر أذنه، ولم يتمكن من التميز.
قال المثبت: فالطعهما بلسانك، لعلك تميزهما من الذوق.
فلطع المنكر، ولم يميز!
قال المثبت: فاستنشق ريحهما، لعلك تميز بالشم.
فلم يعرف المنكر!
قال المثبت: فالمسهما بيدك لعلك تميز باللمس.
فلمسهما المنكر، ولم يميز!
قال: فمن أين تميز بينهما؟
قال المنكر: أرفعهما، فأيهما كان أثقل عرفت أنه الحديد، وأيهما كان أخف عرفت أنه الخشب.
قال المثبت: ومن يحكم بأن الأثقل هو الحديد؟
قال المنكر: العقل.
فكر المثبت قائلاً: إن اللون الخفيف إذا كان حائلاً دون معرفتك وسد أبواب حسك حتى اعترفت بعجز حواسك عن الإدراك،
ولجئت أخيراً إلى العقل.. فما يمنعك من الاعتراف بوجود الله الذي ترى آثاره، وإن لم تدركه حواسك؟
فانقطع المنكر، وقفل(114) إلى الاعتقاد وآمن بالله!
إن الله ليس بمرئي، لأنه ليس بجسم.. وعدم رؤيتنا له ليس دليلاً على عدم وجوده!
إنا لم نر العقل، فمن أين نحكم: بأن هذا عاقل، وهذا مجنون؟.. ليس ذلك إلا بأنا نرى آثار العقل في أحدهما دون الآخر!
وكذلك نحكم بوجود الله، لما نشاهد من آثاره.
إن الله يمتنع عليه الرؤية، فلا يرى لا في الدنيا ولا في الآخرة، لأنه ليس بجسم، وكل ما ليس بجسم لا يمكن رؤيته.
يقول القرآن الحكيم: (لا تدركه الأبصار وهو يدرك الأبصار)(115).
وحيث طلب موسى (ع) من الله: أن يريه نفسه؟
أجابه الله: (لن تراني ولكن أنظر إلى الجبل فإن استقر مكانه فسوف تراني) ـ تعليقاً على المستحيل ـ (فلما تجلي ربه للجبل جعله دكاً وخر موسى صعقاً)(116).
وقد استعظم الله تعالى سؤال الرؤية فقال: (يسألك أهل الكتاب أن تـنزل عليهم كتاباً من السماء فقد سألوا موسى أكبر من ذلك فقالوا أرنا الله جهرة فأخذتهم الصاعق بظلمهم)(117).
وقام رجل يقال له: ذعلب، إلى أمير المؤمنين (ع)، فقال: يا أمير المؤمنين هل رأيت ربك؟
قال(ع): (ويلك يا ذعلب، لم أكن بالذي أعبد رباً لم أره).
قال: كيف رأيته؟ صفه لنا!
قال: (ويلك لم تره العيون بمشاهدة الأبصار، ولكن رأته القلوب بحقائق الإيمان)(118).
وقال الإمام الباقر (ع) لأبي هاشم: (يا أبا هاشم، أوهام القلوب أدق من أبصار العيون، أنت قد تدرك بوهمك السند والهند، والبلدان التي لم تدخلها، ولم تدركها ببصرك، فأوهام القلوب لا تدركها فكيف أبصار العيون)(119).
وهناك في القرآن الحكيم آيات قد يتوهم منها أنه تعالى جسم، أو مرئي:
قال تعالى: (الرحمن على العرش استوى)(120) .
وقال سبحانه: (وجوه يومئذ ناضرة * إلى ربها ناظرة)(121).
لكن هذا استعمال عرفي، كما نقول: استوى الملك على سرير السلطنة. والملك لم يجلس على السرير، وإنما نقصد أنه أخذ بأزمة الحكم.
أو نقول: أنظر إلى التلميذ الفلاني وقد أصبح مديرا، والحال أنه بعد تلميذ، وإنما نقصد من النظر العلم بذلك.
فيراد: إن الله مستول على أزمة الكون، آخذ بأطرافه.
وإن يوم القيامة يعلم الناس جميعاً بوجود الله، كأنهم ينظرون إليه، على خلاف ما كانوا في الدنيا شاكين فيه.
المصدر
[b]العقائد الإسلامية
للمرجع الديني الأعلى آية الله العظمى
الإمام السيد محمد الحسيني الشيرازي
(أعلى الله درجاته)
[/b][/size]