الوقاية من البخل وعلاجه
كما أنّ الأمراض البدنية يتم التصدي لها والوقاية منها بالبحث عن جذورها وأسبابها فكذلك الحال في الأمراض الأخلاقية، لأنّه ما لم تقلع جذور المرض فإنّ عناصر المرض تراوح في مكانها وسوف تظهر في آونة اُخرى بالرغم من زوال آثارها بشكل مؤقت.
وبما أنّ دوافع «البخل» متعددة وكثيرة، فينبغي البحث عن جذور هذا المرض لأن البعض يعيشون التعلّق الشديد بشهوات الدنيا، وبما أنّ الأموال هي الوسيلة للوصول إلى هذه الشهوات فإنّهم يتعلقون بها ويعشقونها إلى درجة أنّهم غير مستعدين لبذل أي مقدار منها، هؤلاء الأشخاص يجب عليهم قطع هذه العلاقة الشديدة بتوجيه النفس واشغال العواطف باُمور اُخرى والتفكر في العواقب الأليمة للخوض في الشهوات وما يقع فيه أهل الدنيا من المشاكل والازمات، وعند ذلك يتحفظون من السير في هذا الخط المنحرف.
الدافع الآخر للبخل هو طول الأمل، فإنّ الآمال الطويلة تدعو الإنسان إلى جمع المال والبخل في انفاقه، فلو أنّ هذا الإنسان قطع آماله وطموحاته وأدرك أهتزاز الدنيا وتذبذبها وعدم استقامتها على حال واحد، ورأى الأشخاص الّذين رحلوا عن هذه الدنيا بحوادث مختلفة وأمراض متنوعة بدون انذار أو مقدمات وقد كانت لديهم أعمال وطموحات طويلة وعريضة في هذه الدنيا، فإنّ ذلك من شأنه أن يحد من حالة «البخل» لدى هذا الإنسان.
الباعث الآخر للبخل هو التعلق والعشق للأولاد والأهل والعيال حيث يدفعه ذلك إلى جمع الأموال وادخارها تحسباً لمستقبلهم في حين أنّ الله تعالى قد ضمَّن رزقهم ومعيشتهم، فلو كانوا من أولياء الله وأحباءه فإنّ الله تعالى سوف لا يتركهم لوحدهم ولحالهم، ولو كانوا من أعداء الله فإنّ جمع المال لمثل هؤلاء الأشخاص سيكون أداة لتوغلهم في الذنوب والآثام وستقع مسؤولية ذلك عليه، فليس من العقل والمنطق أن يجمع الإنسان المال ويدخره لمثل هؤلاء الأشخاص، وبالطبع أحياناً نجد بعض الأشخاص وبسبب لياقتهم الذاتية فإنّهم يتمتعون بعيشة حسنة وطيبة من دون أن يرثوا درهماً واحداً من والديهم بل قد يعيشون أفضل من حياة الّذين ورثوا أموالاً طائلة من أبيهم.
والباعث الآخر لذلك كما يقول بعض علماء الأخلاق هو ما يشبه المرض من دون علاج، أي أنّ البعض يحب المال من أجل نفس المال ويعشقه ويسعى دائماً لجمعه والاكثار منه ويستوحش من بذله وانفاقه، هؤلاء اصابتهم حالة من النسيان والغفلة عن أنّ المال إنما هو وسيلة للتوصل إلى الأغراض المادية أو المعنوية، وألا فلو استخدم في غير هذا السبيل وأصبح بحدّ ذاته هدفاً يجمعه الإنسان فإنه لا يختلف حاله مع الحجر والخشب والآجر.
امّا الطريق إلى الوقاية من «البخل» فإنّ على الشخص البخيل أن يجاهد نفسه ويعض على نواجذه وينفق من أمواله مهما مانعته نفسه من ذلك، وكلما تكرر منه هذا العلم فإنّ العشق للمال سوف يذوب ويتلاشى من قلبه ومشاعره، كما هو الحال في الشخص الجبان الّذي إذا دخل ميادين الحياة من موقع مواجهة التحديات للواقع والمعيشة، فإنّ ذلك الخوف سوف يزول ويتلاشى بالتدريج، وهكذا بالنسبة إلى الشخص الخجول حيث إنه إذا دخل مجالس الكبار ودفع بنفسه إلى التحدّث في مثل هذه المجالس مرّات عديدة فسوف تزول منه حالة الخجل هذه.
ومن الطرق الاُخرى هي التفكر في كراهية الناس وانزجارهم من الشخص البخيل والأشخاص الّذين لا يعيشون حالة الكرم والبذل، فإنّ الناس يتعاملون معهم على مستوى أنّهم أشخاص غير مرغوب بهم ولا يحترمونهم كما يحترمون الاسخياء والكرماء من الناس، وأحد طرق علاج «البخل» والابتعاد عن هذه الرذيلة الأخلاقية هو التفكّر في العواقب الوخيمة والآفاق السلبية الكبيرة لحالة البخل حيث يترتب على ذلك أن يتخلص الإنسان تدريجياً من هذه الحالة الذميمة.
وفي هذا الصدد يقول أمير المؤمنين (عليه السلام) «البَخيلُ يَبْخَلُ عَلَى نَفْسِهِ بِاليَسيرِ مِن دُنياهُ وَيَسمَحُ لِوُرّاثِهِ بِكُلِّها»(1).
وجاء في حديث آخر عن الإمام الصادق (عليه السلام) أنّه قال: «مَن بَرِءَ مِنَ البُخلِ نالَ الشَّرَفَ»(2).
فالتفكر في كلّ هذه الاُمور بإمكانه أن يخلص الإنسان من أسر البخل وخاصّة إذا التفت إلى الروايات الشريفة الّتي تقرر أنّ البخل لا يجتمع مع الإيمان إطلاقاً.
1. غرر الحكم، ح 1884.
2. بحار الأنوار، ج 7، ص 229.
المصدر: الأخلاق في القرآن