رذيلة الرياء والتظاهر حسين مظاهري
الرياء يُفسد العمل
بحث اليوم حول ضد الإخلاص والخلوص، أي رذيلة الرياء والتظاهر وبمقدار ما
يجعل الخلوص من العمل ثقيلاً. فإن الرياء والتظاهر يجعله خفيفاً وأجوف.
وعلى فتوى جميع مراجع التقليد فإن الرياء موجب لبطلان العمل. أي أن من
تظاهر في صلاته وصومه واعطائه الخمس والزكاة وفي أعمال الخير فقد أبطل
عمله. وبالإضافة إلى بطلان العمل فان أيضاً من الذنوب الكبيرة جداً. وقد
اعتبر القرآن الشريف هذه المعصية في حد الكفر : (يا
أيها الذين آمنوا لا تبطلوا صدقاتكم بالمن والأذى كالذي ينفق ماله رئاء
الناس ولا يؤمن بالله واليوم الآخر) [البقرة، الآية: 264].
أي لا تبطلوا أعمالكم بالمنّ والأذى. فإذا أديت خدمة إلى أحد فلا تمن عليه
بذلك وتؤذيه، فإن مننت عليه وآذيته كان عملك أجوف. ثم يقول: كمثل الذي
ينفق ماله في سبيل الله ولكن رياءً، فعمله هذا باطل، وبالإضافة إلى بطلان
عمله يقول : (ولا يؤمن بالله واليوم الآخر). وذنب هذه العبادة التي فيها
الرياء مساوق الكفر.
أولئك لا إيمان واقعي لهم
ويقول في سورة الماعون : الذين ليس لهم إيمان واقعي على أربعة أصناف : الصنف الأول : هم الأشخاص الذين يستطيعون مساعدة الفقراء والمساكين ولم يفعلوا ذلك. فهؤلاء ليسوا مسلمين واقعيين.
الصنف الثاني :
وهم الأشخاص الذين يصلون ولكن لا يعتنون بصلاتهم، مثل المرأة المحجبة ولكن
تكون رديئة الحجاب لا تعتني بحجابها. وردئية الحجاب إذا لم تكن أحياناً
أسوأ من السافرة فهي ليست أقل منها.
الصنف الثالث : وهم الأشخاص المراؤون، وهم الذين يتظاهرون في أعمالهم، وهؤلاء مسلمون غير واقعيين.
الصنف الرابع :
وهم الأشخاص الذين يستطيعون مساعدة الآخرين، يستطيعون إقراض جيرانهم
وإقراض الآخرين ولكنهم لا يفعلون. يستطيعون إعارة ملابسهم إلى جيرانهم
ولكنهم لا يفعلون. وأخيراً يستطيع أن يقرض جاره أو صديقه الشيء الذي يحتاجه
ولكنه لا يفعل ذلك. يقول القرآن عن هؤلاء بأنهم مسلمون غير واقعيين : (بسم
الله الرحمن الرحيم * أرأيت الذي يكذب بالدين * فذلك الذي يدع اليتيم *
ولا يحض على طعام المسكين * فويل للمصلين * الذين هم عن صلاتهم ساهون *
الذين هم يراؤون * ويمنعون الماعون).
المسلم ليس بالكلام، المسلم مسلم بعمله. إذا استطعت أن تقضي حوائج
المسلمين ولم تفعل فهذه السورة وأمثالها تقول لك ان إسلامك ضعيف، وذهابك
إلى الجنة أمر عسير.
ينقل المرحوم ثقة الإسلام الكليني في الكافي رواية عن الإمام الصادق (عليه السلام) تقصم ظهر الإنسان. يقول (عليه السلام): "أيما
مؤمن منع مؤمناً شيئاً مما يحتاج إليه وهو يقدر عليه من عنده أو من عنده
غيره أقامه الله يوم القيامة مسوداً وجهه مزرقة عيناه مغلولة يداه إلى عنقه
فيقال: هذا الخائن الذي خان الله ورسوله ثم يؤمر به إلى النار" [الكافي: ج2 ص367 ح1].
وما هو محل بحثنا الآن هو أنه ربما يقضي أحدنا حوائج المسلمين ولكن يمن
عليهم بذلك، فهذا العمل باطل، ويصير عمله بلا محتوى. أحياناً لا يمنّ عليهم
ولكن يعمل ذلك من أجل أن يراه الناس، فيؤدي عمله رياءً وتظاهراً، وحتى أنه
ليشتري بيتاً لفقير ولكنه حينما يجلس في أي مكان تسمعه يقول أنا الذي
اشتريت بيتاً لفلان، والخلاصة فهو ينجز هذه الأعمال ليقول له الناس "بارك الله فيك".
يأتي إلى المسجد ويصلي في الصف الأول ليقول عنه الناس ما أكثر تدينه.
وتكون قبلته في الحقيقة هي الناس لا بيت الله. يصلي للناس لا لله. ويكون
عمله أحياناً كله من أجل الناس وليس في ذهنه شيء أصلاً اسمه الله، فهذا
كفر. ويكون في أحيان أخرى من أجل الله ومن أجل الناس معاً وهذا شرك.
المرائي مشرك
ومن هنا نقرأ في الروايات بأن المرائي يخاطب: "يا مشرك"
لأن صلاته التي صلاها وصيامه وحجه وانفاقه وخيراته التي فعلها لم تكن لله
فقط بل كانت للناس أيضاً. فالتظاهر والرياء شرك حقيقة. ماذا كان يقول عبدة
الأصنام؟ ألم يكن عبدة الأصنام يعبدون الله ويعبدون الصنم : (هؤلاء شفعاؤنا عند الله) [يونس، الآية: 18].
وأما إذا لم يكن في قلبه لله اسم ولا رسم، وامصيبتاه، فالقرآن يعتبر هذا الشخص على حافة الكفر.
والشيء الذي يجب أن نلتفت إليه هو أن الرياء ربما كان خفياً جداً. أي أن
الإنسان يمكن أن يقضي مدة من عمره وهو يرائي ولكنه غافل عن أنه مرائي. ومن
هنا فقد شبه الشرك في بعض الروايات بالنملة السوداء التي تمشي في ليلة
ظلماء على صخرة سوداء؟ فخر خفي إلى هذا الحد.
ومن أدهى الأساليب التي يتبعها الشيطان ليحتال بها على الناس هي الرياء
والتظاهر. فربما يأتي الشيطان عن طريق المعصية مثل الغيبة والتهمة والكذب:
وربما يأتي عن طريق العبادة، أي يوجد العجب في قلب العابد، وبهذه الوسيلة
يجعله يسلك طرق جهنم.
يقول الإمام الصادق (عليه السلام):
دخل رجلان المسجد أحدهما عابد والآخر فاسق، فخرجا من المسجد والفاسق صديق
والعابد فاسق، وذلك لأنه يدخل العابد المسجد مدلاً بعبادته يدل بها فتكون
فكرته في ذلك وتكون فكرة الفاسق في التندم على فسقه ويستغفر الله عز وجل
مما صنع من الذنوب [الكافي: ج2 ص314 ح6]. هذا زمام الشيطان وحبله. فيسجل هدفه على الإنسان من طريق الدين. وقد قال بنفسه لله سبحانه : (فبما
أغويتني لأقعدن لهم صراطك المستقيم * ثم لآتينهم من بين أيديهم ومن خلفهم
وعن أيمانهم وعن شمائلهم ولا تجد أكثرهم شاكرين) [الأعراف: 16 ـ 17].
قال : إلهي الآن وقد صرت من الضالين لأجلسن على طرق الناس وعلى أيمانهم
وأحرفهم عن طريق السعادة. اجعل الآخرة في نظرهم أمراً تافهاً. وآتيهم من
طريق الدنيا وأشغلهم بها. آتيهم من طريق الذنوب أجرهم إلى جهنم بواسطة
الذنوب. كما آتيهم من طريق العبادة فاجعلهم من أهل جهنم بواسطة الرياء
والتظاهر والعجب.
الطريق الرابع هو الطريق الذي يعشقه الشيطان كثيراً. يجب علينا جميعاً
رجالاً ونساءً أن نحذر من الرياء والتظاهر وان لا نكون من ذوي الوجهين لا
نطلق على أنفسنا ـ والعياذ بالله ـ
فجأة بواسطة اللحية والمسبحة بأننا حزب الله، فهذا رياء وتظاهر. فإذا كنت
من حزب الله وإذا كنت ثورياً فليكن ظاهرك وباطنك شيئاً واحداً. ففي بعض
النساء يكون حجابها جيداً في الشارع ولكنها تبقى بلا حجاب أصلاً أمام أخي
زوجها وعائلتها وعشيرتها. أو أنها تكون راقصة من الدرجة الأولى في حفلة عرس
في الوقت الذي يكون مكانها في الصف الأول في المسجد. هذا يسمى رياء
وتظاهر.
ويسر الشيطان جداً أن يجر الناس إلى جهنم عن طريق العباءة واللحية
والمسبحة بدلاً من جرهم عن طريق اللاحجاب... الخ، ويسر أكثر بأن يجر الناس
من أهل جهنم عن طريق الصلاة بدلاً من أن يجرهم عن طريق اللاصلاة.
لا
تجعلوا الناس غرضاً لكم فان هذا ذنب عظيم. وأما إذا جعلتهم هدفاً لك فلا
تكن ملتوياً. فان الذنب سيكون أخطر وأعظم إذا جعلت الناس غرضاً لك عن طريق
التظاهر بالتدين، عن طريق اللحية والحجاب والثورية. وهذا هو نفس ما يقول
عنه القرآن : (فَوَيْلٌ لِلْمُصَلّينَ * الّذِينَ هُمْ عَن صَلاَتِهِمْ سَاهُونَ * الّذِينَ هُمْ يُرَآءُونَ * وَيَمْنَعُونَ الْمَاعُونَ).
الويل للمسلمين الذين يستخفون بصلاتهم، وويل لأهل الرياء. وكما قلت فان
أغلب الناس لا يخلون من الرياء. ومن هذه الجهة فان أحداً لا يستطيع أن يدعي
بأنه خالٍ من الرياء. الأمر محير جداً.
المرحوم العلامة بحر العلوم الذي كان من مراجع التقليد ومعلماً للأخلاق
والعرفان والفقه، كتب كتاباً في الأخلاق وبين الفقه بواسطة الشعر، وقد
التقى مرات عديدة بالإمام صاحب الزمان عجل الله تعالى فرجه الشريف.
جاء يوماً إلى الدرس وهو مسرور جداً وقال : لقد استطعت ان أقلع جذور
الرياء من قلبي. مما يدل على أن هذا الرياء والتظاهر شيء عام وخفي جداً.
قصة البهلول
كان البهلول يعيش في عصر هارون الرشيد، وكان إنساناً عجيباً. قيل له تسنم
مسؤولية قاضي القضاة، فتظاهر بالجنون فراراً من القضاء. وكان يأمر الناس
بالمعروف وينهاهم عن المنكر بأعماله. ولبهلول قصة حول الرياء. رأى يوماً
رجلاً يبني مسجداً، فكتب البهلول في أعلى باب المسجد "مسجد بهلول"
فلما رآه صاحب المسجد قال له : لماذا فعلت هذا؟ قال البهلول : إن كنت بنيت
المسجد لله فلا يفرق حينئذٍ أن يكون المسجد باسمك أو باسم آخر. فقال صاحب
المسجد : لقد جهدت حتى بنيت هذا المسجد وأخيراً يكون باسم غيري! ثم ذهب
فمحا اسم بهلول وكتب اسمه. فقال البهلول : هذا يدل على أنه لم يبنِ المسجد
لله.
وكان الأئمة الطاهرون (عليهم السلام) وخصوصاً أمير المؤمنين (عليه السلام)
يذهبون في الليل إلى بيوت الفقراء ويعطونهم الصدقة. ولم يكن يعرف بذلك
أحد. إلا بعد شهادتهم. وفي ليلة العشرين من شهر رمضان عندما كان علياً (عليه السلام) طريح الفراش علموا من كان يحمل الخبز والتمر إلى الفقراء.
يقول الراوي :
كنت أمشي في المدينة أثناء الليل وكان هناك رجل يمشي أمامي، فتعثر وسقط
على الأرض وتبعثر ما كان يحمله، فتقدمت إليه وإذا به الإمام الصادق (عليه السلام) وهو يجمع الخبز، فقلت له: اتسمح لي أن أحمل هذا الجراب عنك. فقال (عليه السلام): لا يجب أن أحمله بنفسي. ففهمت أنه كان يوزع هذا الخبز على بيوت الفقراء دون أن يعرفه أحد وقد كان جميع الأئمة (عليهم السلام) كذلك.
والخلاصة :
أيها الرجال! وأيتها النساء! احذروا من وجود التظاهر والرياء في حياتكم.
احذروا أن يجعلكم الرياء والتظاهر من أهل جهنم احذروا ان يجلب لكم التظاهر
والرياء أكبر حسرة في يوم القيامة.