[ بين الامام الجواد ع وبين ابراهيم ابن رسول الله ]
الهداية الكبرى - الحسين بن حمدان الخصيبي - ص 295 - 298
وكان ( عليه السلام ) شديد الأدمة ولقد قال فيه أهل الحيرة والشاكون
والمرتابون انه ليس من ولد الرضا وقالوا - لعنهم الله - انه من ولد سيف
‹ صفحة 296 ›
الأسود مولاه ، وقالوا : من لؤلؤ وانهم اخذوا الرضا أباه عند المأمون
فحملوه إلى القافة بمكة ، وهو طفل في مجمع من الناس في المسجد الحرام
فعرضوه عليهم فلما نظر إليه القافة خروا سجدا ، ثم قاموا فقال : ويحكم
من هذا الكوكب العظيم الدري النور المبين يعرض علي هذا والله الزكي
النسب المهذب الطاهر والله ما تردد الا في الأصلاب والأرحام الطاهرة ،
والله ما هو الا من ذرية رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) وعلي أمير المؤمنين المؤمنين
فارجعوا فاستقيلوا الله عز وجل واستغفروه ولا تشكوا في نسب مثله ،
وتحمد ، ( عليه السلام ) في ذلك الوقت وله خمسة وعشرون شهرا فنطق
بلسان أرهف من السيف وأفصح من الصاحة يقول :
الحمد لله الذي خلقنا من نوره ، واصطفانا من بريته ، وجعلنا
أمناءه ، على خلقه ووحيه ، معاشر الناس انا محمد بن علي الرضا بن موسى
الكاظم بن جعفر الصادق بن محمد الباقر بن علي علي زين العابدين بن الحسين
الشهيد بن أمير المؤمنين علي المرتضى وفاطمة الزهراء بنت محمد المصطفى
( صلى الله عليهم أجمعين ) وعلى أولادي بعدي ، وأعرض على القافة والله
اني لاعلم بأنساب الناس من آبائهم ، والله اني لاعلم خوافي سرائرهم
وظاهرهم واني لاعلم بهم أجمعين وما هم إليه صائرون أقوله حقا ، واظهره
صدقا علما أورثناه الله عز وجل قبل الخلق أجمعين ، وبعد فناء السماوات
والأرض ، وأيم الله لولا تظاهر الباطل علينا وغلبة دولة الكفر وتولي أهل
الشك والشرك والشقاق علينا لقلت قولا يعجب منه الأولون والآخرون ،
ثم وضع يده على فمه وقال : يا محمد اصمت كما صمت آباؤك :
( واصبر كما صبر أولو العزم من الرسل ، ولا تستعجل لهم كأنهم يوم
يرون ما يوعدون ) إلى آخر الآية ، ثم تولى إلى رجل إلى جانبه فقبض
على يده وتمشى يتخطى رقاب الناس ، والناس يفرجون له فرأيت مشيخة
حلة وهم ينظرون إليه ، ويقولون : الله اعلم حيث يجعل رسالته ، فسالت
عن المشيخة فقيل لي : هؤلاء قوم من بني هاشم من أولاد عبد المطلب .
‹ صفحة 297 ›
قال فبلغ الخبر إلى علي بن موسى وما صنع بابنه محمد ، فقال : الحمد
لله ، ثم التفت إلى من بحضرته من شيعته فقال لهم : هل علمتم ما
قذفت به مارية القبطية / وما ادعى عليها في ولادتها إبراهيم بن رسول الله
( صلى الله عليه وآله ) ؟ فقالوا : يا سيدنا أنت اعلم خبرنا لنعلم ، فقال :
ان مارية أهداها المقوقس إلى جدي رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) ، وتحظى بمارية من دونهم وكان معها خادم يقال له جريح وحسن إيمانها
وإسلامها ، ثم ملكت مارية قلب رسول الله ( صلى الله عليه وآله )
فحسدها بعض أزواجه ، وأقبلت عائشة وحفصة تشكوان إلى أبويهما ميل
رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) إلى مارية وايثاره إياها عليهما حتى سولت
لأبويهما أنفسهما بان يقذفوا مارية بأنها حملت بإبراهيم من جريح الخادم ،
وكانوا لا يظنون جيحا خادما فاقبل أبواهما إلى النبي ( صلى الله عليه وآله )
وهو جالس في مسجده فجلسا بين يديه ، ثم قالا : يا رسول الله ما يحل
لنا ولا لشيعتنا ان نكتم عليك ما يظهر من خيانة واقعة بك ، قال : ماذا
تقولان ؟ قال : يا رسول اله ان جريحا يأتي من مارية الفاحشة العظمى ،
وان حملها من جريح ليس هو منك ، فأربد وجه رسول الله ( صلى الله
عليه وآله ) وعرضت له سهوة لعظيم ما تلقياه به ، ثم قال : ويحكما ما
تقولان ؟ قالا : يا رسول الله انا خلفنا جريحا ومارية في مسرتها يعتبها في
حجرتها ويفاكهها ويلاعبها ويروم منها ما يروم الرجال من النساء فابعث إلى
جريح فإنك تجده على هذه الحال فانفذ فيهما حكم الله حكمك .
فاتى النبي إلى علي ( عليه السلام ) ، وقال : قم يا أبا الحسن بسيفك
ذي الفقار حتى تمضي مسرية مارية فان صادفتها وجريحا كما يصفان
فاخمدهما بسيفك ضربا .
وقام علي ( عليه السلام ) ومسح سيفه وأخذه تحت ثوبه فلما ولى من
بيد يدي رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) انثنى إليه فقال يا رسول الله :
‹ صفحة 298 ›
أكون كالشكة ، والشاهد يرى ما لا يرى الغائب ، فقال له : فديتك يا أبا الحسن
امض ، فمضى وسيفه في يده حتى تسور من فوق مسرية مارية وهي
في جوف المسرية ، وجريح معها يؤدبها بآداب الملوك ، ويقول لها : عظمي
رسول الله ولبيه وأكرميه حتى التفت جريح فنظر إلى أمير المؤمنين وسيفه
مشهور في يده ففزع جريح ، وصعد إلى نخلة في المسرية فصعد إلى رأسها
فنزل أمير المؤمنين إلى المسرية ، فكشف الريح عن أثواب جريح فرآه خادما
مسموحا ليس له ما للآدميين ، فقال : انزل يا جريح ، قال : يا أمير
المؤمنين آمنا على نفسي ؟ فقال : آمنا على نفسك ، فنزل جريح وأخذ بيده
أمير المؤمنين إلى رسول الله فأوقفه بين يديه ، وقال : يا رسول الله ان
جريحا خادم ممسوح ، فولى النبي وجهه إلى الجدار ، وقال : حل لهما
- لعنهما الله - يا جريح حتى يتبين كذبهما ويحتقبا خزيهما ، بجرأتهما على الله
ورسوله فكشف جريح عن أثوابه فإذا هو خادم ممسوح فسقطا بين يدي
رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) وقالا : يا رسول الله التوبة ، استغفر لنا
ولن نعود .
فقال رسول الله ( عليه السلام ) : لا تاب الله عليكما فان نفعكما
استغفاري ومعكما هذه الجرأة على الله عز وجل وعلى رسوله فقالا : يا
رسول الله ان استغفرت لنا رجونا ان يغفر الله لنا ، فأنزل الله الآية بهما
وفي براءة مارية : ( ان الذين يرمون المحصنات المؤمنات الغافلات لعنوا
في الدنيا والآخرة ولهم عذاب عظيم يوم تشهد عليهم ألسنتهم وأيديهم
وأرجلهم بما كانوا يعملون ) .
قال الرضا علي بن موسى ( عليهما السلام ) : الحمد لله الذي في ابني
محمد أسوة برسول الله ( صلى الله عليه وآله ) وابنه إبراهيم
( عليهما السلام ) وكان هذا من دلائله وبراهينه الذي ذكرناهم
( عليه السلام ) .