( مسألة 23 ) : إذا شك في موت المجتهد ، أو في تبدل رأيه ، أو عروض ما يوجب
عدم جواز تقليده ، جاز البقاء على تقليده إلى أن يتبين الحال .
الشـرح
من قلّد مجتهداً جامعاً لشرائط الإفتاء ، ومضت مدة على ذلك ثم طرأ عليه شك في هذه الأمور :
1- حصل شك في موته بحيث لم يحصل له اليقين بحصول موته حتى يرجع الى المجتهد الحي ليجيزه على البقاء أو يعدل اليه كما أوضحنا ذلك سابقاً ، وفي هذه الحال هو بالخيار في أمرين :
أولاً : جاز له العدول الى الحي الأعلم أو المساوي له ليحصل على اليقين بصحة أعماله ، فينتقل من حجة الى حجة أخرى ولا مانع في ذلك ولا محذور لأنه من نوع الإنتقال من الحجة المُحرزة بالأصل الى الحجة المُحرزة بالوجدان لأن إحراز حياة المجتهد الأول مع عروض الشك عليها كانت عن طريق أصالة الإستصحاب وحياة المجتهد الحي مُحرزة بالوجدان عن طريق الحس ومن الواضح ان مقتضي الإنتقال موجود وهو الإقوائية في الحي لكن ليس بإلزامي.
ثانياً : جاز له البقاء على تقليده للمجتهد الأول ، وذلك لأن تقليده متوقف على حياته ، وهذه الحياة لابد من إحرازها ، والإحراز هنا لها طريقان إما إحرازٌ قطعي وجداني حسي ، وإما إحراز جعلي تعبدي ، وكلا الإحرازين يوجبان اليقين بالحياة غاية الأمر أن الإحراز الأول حسي لا يتدخل فيه الشارع وهو الأقوى لأنه بالقطع ، والإحراز الثاني تعبدي ببركة الإستصحاب أي أن الشارع الأقدس نزّل ما ينتج عن الإستصحاب منـزلة القطع وهذا التنـزيل تعبدي لأنه بإعتبار الشارع ، والإستصحاب هنا يجري بلا ريب وذلك لإلتئام وتمامية أركانه لأنه متيقن من حياته سابقاً شاكٌ في إنتفائها لاحقاً ، والمعروف من الشارع أنه يَعتبر الإستصحاب حجة على أحكامه سواءٌ أكان في الحكم أم في الموضوع ، ومعنى حجيته أنه يعتبر العمل به منجّز على المكلف أي لابد من الإتيان به على كل حال ، ومعذّر له أي أن لا يعاقب لو ظهر خطأه ، وحجية الإستصحاب من الشارع إما لأنه مؤسس لها ببركة الأخبار، أو مؤكّد ومثبّت لما عليه من سيرة العقلاء من العمل بالمحرز الإستصحتابي كما هو المختار عندنا.
وكيف ما كان فانه لا ريب في جواز البقاء على تقليد ذلك المجتهد الذي شك في بقاء حياته ببركة الإستصحاب حتى يتبين الحال .
2- حصل له شك في تبدّل رأيه ، بمعنى أنه كان متيقناً من فتواه ثم شك في بقاء تلك الفتوى أم حصل تبديل فيها فانه يجوز له البقاء على تلك الفتوى لوجود المقتضي للبقاء لأن الرأي حال حدوثه من المجتهد كان موصوفاً بالحجية وكان على يقين من ذلك ثم شك في بقاء الحجية فالأصل العملي يقتضي بقائها لأن أركان الإستصحاب كلها متوفرة فيجري بلا ريب .
وكذلك بالنسبة الى الأصل اللفظي أيضاً يقتضي البقاء لأن إطلاق آية النفر (فلولا نفر من فرقة طائفة..) يقتضي أن إنذار الفقيه الجامع للشرائط حال الإنذار موصوف بالحجية سواء بقي ذلك الإنذار على حاله الأول أي على واجديته للشرائط أم لا .
وكذلك بالنسبة الى السيرة العقلائية فانها قائمة على رجوع غير الخبير الى الخبير في أخذ الرأي منه والعمل على طبقه مطلقاً إلاّ أن يعلم علم اليقين أنه تبدّل رأيه أرأيت إذا قال لك الطبيب خذ الدواء الفلاني كلما حصلت لك هذه الحالة هل تتوقف لو شككت في تبدّل رأيه؟ بل تبقى عليه وكلما حصلت تلك الحالة أخذت هذا الدواء.
3- شك في عروض فقد بعض شرائط الإفتاء على المجتهد الذي يقلّده كأن شك في إنتفاء العدالة عنه أو شك في تراجع أعلميته أو شك في عروض الجنون عليه أو شك في عروض الخرف عليه أو شك في عروض المرض عليه ، فان كل ذلك لا يوجب عدوله عنه الى مجتهد آخر ، بل يجوز له البقاء عليه تمسكاً بالأصل العملي الذي هو أصالة الإستصحاب، وذلك لتمامية أركان الإستصحاب من اليقين السابق بحجية فتواه والشك اللاحق بها فيتعين البقاء على ما كان متيقناً منه لأنه داخل تحت كبرى (لا تنقض اليقين بالشك)، والإستصحاب مُحرز للحجية فهو من الأدلة الشرعية المُحرزة للحكم الشرعي ولموضوع الحكم الشرعي.
فتلخص من كل ذلك : أن ما قاله (رضوان الله عليه) من أن المكلف إذا شك في موت مقلَّده أو شك في تبدّل رأيه أو شك في عروض ما يوجب عدم جواز تقليده كانتفاء عدالته أو انتفاء اعلميته أو عروض الجنون عليه أو الخرف جاز البقاء على تقليده كل ذلك لأجل بركة الإستصحاب لتمامية أركانه من اليقين السابق والشك اللاحق فهو مشمول بدائرة (لا تنقض اليقين بالشك) الى أن يتبين الحال ، فان تبيّن حاله وثبُت أنه ميت أو أنه مجنون أو أنه غير عادل أو أنه ليس أعلم فانه لا محالة في وجوب عدوله عنه لإنتفاء حجية قوله بعد ذلك ، أو العمل على وفق ما يقوله الحي الأعلم . (فاضـل البديـري 11رمضان1431هـ)