طالب علم  
الجنس : عدد المساهمات : 2695 تاريخ الميلاد : 22/07/1989 تاريخ التسجيل : 29/01/2011 العمر : 35 الموقع : العراق حكمتي المفضلة : مَا أَكْثَرَ الْعِبَرَ وأَقَلَّ الْإِِعْتِبَارَ!
| موضوع: المسألة (1) الجمعة مايو 13, 2011 12:01 am | |
| السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
تتشرف منتديات مدارس ال الصدر الكرام حصرياً بنشر شرح منهج الصالحين ( الرسالة العملية للسيد الشهيد محمد محمد صادق الصدر قدس سره ) و بقلم سماحة العلامة الشيخ فاضل البديري حفظه الله تعالى . ولا يُسمح شرعاً بنقله الى أي مصدر آخر إلاّ بموافقة المنتدى حصرياً أو بكتابة إسم المنتدى صريحاً عند النقل وبخلاف ذلك سيكون الناقل آثماً وعمله غير مبرئ للذمة .
كتاب الإجهتاد والتقليد
قال سيدنا الأستاذ الأعظم والمجتهد الأزهر فخر المحققين وسلطان المدققين الشهيد السعيد السيد محمد الصدر (أنار الله برهانه ورُفع في أعلى عليين مقامه) : مسألة (1) : يجب على كل مكلف لم يبلغ رتبة الإجتهاد أن يكون في جميع عباداته ومعاملاته وسائر أفعاله وتروكه مقلِّداً إلاّ أن يحصل له العلم بالحكم لضرورة وغيرها كما في بعض الواجبات وكثير من المستحبات.
الشرح
هناك مباحث مهمة في هذه المسألة : أولاً : الوجوب هنا هو وجوب عقلي ، مرجعه الى أن كل إنسان عاقل لابد أن يُذعن بثبوت مبدأ وخالق لهذا الكون ، وأن الخالق واجب الشكر لأنه منعم ، وفي الوقت نفسه فإن هذا الخالق مشرّع شرّع شريعة فيها تكاليف وإلزامات ، فالعقل يُذعن بلابدية الخروج عن عهدة تلك التكاليف والإلزامات لإذعانه بمولويته الحقة ، والعقل يحكم بوجود ثلاث طرق للخروج عن عهدة تلك التكاليف في غير الضروريات واليقينيات وهي منحصرة في الإجتهاد أو التقليد أو الإحتياط ، والإحتياط مخرج تكويني قهري إلاّ إذا وصفه الشارع بالحزازة في نفس المولى ، والإجتهاد والتقليد مخرجيتهما جعلية ببركة جعل الشارع المجزوم به من قبل العقل ، فاذا لم يكن مجتهداً تعين عليه التقليد بحكم العقل لأنه لا طريق غيره، ولذا (طيب الله تربته) خرّج العلم بالحكم لضرورة كالعلم بالصلاة والصيام والحج ونحوها من الضروريات واليقينيات لأنها حاصلة بنفسها فلا يشملها الإجتهاد فحينئذ لا يشملها التقليد ، لأن العقل يُدركها لإدراكه لطاعة الشارع المجزوم به عنده من دون الإستعانة بتلك الطرق الثلاث. ثانياً : المراد من المكلف هنا ليس هو المكلف الفعلي أعني ليس البالغ العاقل ، بل يجري حتى في حق غير البالغين كالصبي المميز ، وذكر عنوان المكلف من باب المصداق الأظهر وليس من باب الإحتراز قطعاً . ثالثاً : المراد من التكاليف في قوله (في جميع عباداته...) هنا ليبيّن ان التقليد ليس واجباً فقط في الإلزاميات بل ما دام الحاكم هو العقل فيجري حتى في غير الإلزاميات كموارد المستحبات وموارد التروك ، والمَدرك واضح : وذلك فراراً من محذور الإتيان الإبتدائي التبرعي والتقوّل على الشارع بغير حق الذي يعتبره العقل من أقبح القبائح ، بأن يأتي بالفعل مثلاً بعنوان أنه مندوب في نفس الشارع أو مبغوض في نفس الشارع من دون إحراز المندوبية أو المكروهية بالمُحرز المعتبر المنحصر في الطرق العقلية الثلاث، ومن هذا البيان تعرف أن مراده (أنار الله برهانه) هو عدم إختصاص ذلك بالمكلفين فعلاً ولا بخصوص التكاليف الإلزامية بل يجري بالنسبة الى غير البالغين وغير الإلزاميات أيضاً . وما قاله (رضوان الله تعالى عليه) متين للغاية ومحكم حتى النهاية قوله (أنار الله برهانه) : (وسائر أفعاله وتروكه) : إن الفعل : معناه ما تقوم به الجوارح والمطلوب من المكلف إما أن يكون الفعل واجباً أو مستحباً ، وهذا الواجب إما أن يكون ضرورياً للدين لا يحتاج الى بيان ولا إلى تقليد كوجوب الصلاة والصيام والحج أو ضروري للمذهب كوجوب الخمس أو وجوب التقليد، ومعلوميته إما أن تكون واصلة عن طريق القطع واليقين كآية في الكتاب الكريم أو في حديث معروف متواتر ، أو واصلة عن طريق الشياع الإطمئناني الذائع في الأوساط كالإفطار بعد ذهاب الحمرة عن موقف الرأس لا الى سقوط قرص الشمس ، وكحرمة لحم الأرنب ونحوها . وإما أن يكون ليس ضرورياً أي يحتاج الى بيان والى تقليد كتفاصيل صلاة القصر والتمام ونحوها وهذا هو المبحوث عنه في التقليد . وكذلك المستحب مرة يكون ضرورياً كالصيام المستحب في شهر رجب وشعبان ، ومرة غيرضروري يحتاج الى بيان كالغسل يوم العيد ، أو الوضوء قبل النوم وهكذا وهذه الأفعال بقسميها مرة تكون عبادية أي يشترط فيها قصد القربة كالصلاة والصيام ونحوهما ومرة تكون توصلية لا يُشترط فيها قصد القربة كغسل الثوب من النجاسة ، أو إنقاذ الغريق ونحوها ، وهذه تُسمى بالعبادات وهي المقصودة بقوله (في جميع عباداته) أي العبادية والتوصلية والواجبة والمستحبة. وسائر الأفعال : وهي الأفعال الجوارحية التي لا تُعرف وجهتها هل هي يجوز فعلها أم لا يجوز وهو غير قاطع لا بوجوبها ولا باستحبابها ولا بإباحتها سواءٌ اكانت تشريعية كالتسبيح للحائض أم السفر للتخلص من الصيام ، أم أخلاقية كتقبيل اليد للوجهاء ، أو تعليم المرأة للرجال او بالعكس أو الدخول لغرفة نوم صديقه أو أخيه ، وهكذا ، أم سياسية كالدخول في سلك مكافحة المجرمين ، أو زيارة الأعداء أو مصافحة المحتل والغازي ، أم إقتصادية كالعمل عند اليهودي ، أو العمل بأجرة غير معروفة ، او التعامل مع الفاسق وهكذا ، أم إجتماعية كلبس البنطلون للمرأة ، أو تطويل الشعر للرجل ، أو مصافحة المرأة العجوز ، أو سياقة المرأة للسيارة ، وهكذا . وأما الترك : فهو من أفعال النفس أي إجبارها على عدم الإتيان بذلك الفعل فإن كان معدوماً بالأصل كشرب الخمر للمؤمن التقي فالمطلوب هو الإبقاء على هذا الإعدام وإن كان موجوداً كشرب الخمر للمسلم الفاسق فالمطلوب هو كف النفس عنه وإعدامه ، وهو من باب الإمساك عن المنكر وهو إما أن يكون ضرورياً كترك الزنا وشرب الخمر وترك أكل الميتة وترك الغيبة ، أو يحتاج الى بيان وتقليد كترك التداوي بالمحرّم ، أو ترك أكل اللحم المستورد من دول اسلامية ، وهكذا تروك الصلاة كالضحك في أثنائها والبكاء وتروك الحج كالصيد لبعض الحيوانات أو الهزل والمزاح، وتروك الصيام كترك اليمين وترك الكذب. وسائر التروك : هي الأفعال النفسية الجوانحية التي يُطلب فيها كف النفس أو ترك الفعل وإعدامه لذلك الشيء الذي لم تٌعرف وجهته هل هو محرم أو مكروه أو مباح ، كترك شرب الماء إن كان عطشاناً أو ترك التدخين ، أو ترك الصعود بسيارة فيها غناء ، أو ترك الشراء من تاجر فاسق ، أو ترك التعامل مع العاصي ، أو ترك بعض الألعاب الرياضية وهكذا . قوله (لضرورة) : قد بيّنا ذلك ، فان من حصل لديه الحكم الشرعي لأحد تلك الأمور ضرورة أي بالبداهة ومن دون حاجة الى بيان فانه لا تقليد فيه كعلمه بوجوب الصلاة ونحوها من العبادات الضرورية العلم إما من آية قرآنية أو حديث قطعي. قوله (وغيرها) : أي شبيه بالضرورة والبداهة كإشتهار حكم معين وذيوعه ، أو قيام السيرة عليه كما أوضحنا ذلك أعلاه . أو علم أنه في فعله هذا أو تركه هذا سيخالف حكماً إلزامياً كأنه عمل مستحب وبأتي به على انه واجب ، أما لو كان لا يخالف حكماً إلزامياً فلا مانع منه كما لو زار أحد الأشخاص وهو يعلم بأنها هذه الزيارة اما مستحبة أو مكروهة فزيارته ليس فيه مخالفة لحكم الزامي . فالنتيجة أن افعال العباد التي يريدها الله من عباده شرعاً أن تكون كلها ابتغاء وجهه سبحانه وتعالى سواء أكان فعلاً كالواجب والمندوب والمباح ، أم كان تركاً كترك المحرَّم والمكروه ، وهذه هي الأحكام الخمسة التي لا تخرج أفعال الإنسان وتروكه عنها .
.(فاضـل البديـري) | |
|