طالب علم  
الجنس : عدد المساهمات : 2695 تاريخ الميلاد : 22/07/1989 تاريخ التسجيل : 29/01/2011 العمر : 35 الموقع : العراق حكمتي المفضلة : مَا أَكْثَرَ الْعِبَرَ وأَقَلَّ الْإِِعْتِبَارَ!
| موضوع: الطب الصيني والطب الإسلامي الإثنين أبريل 11, 2011 7:28 pm | |
| الطب الصيني والطب الإسلامي بعد إقبال شباب المسلمين على دراسة الطب الغربي والتخصص فيه فقد الطب الإسلامي الوارد في الأحاديث النبوية الشريفة وأحاديث الأئمة (عليهم السلام) بريقه في نظر البعض وخصوصاً في نظر الأطباء الذين لم يتابعوا أخبار الطب الإسلامي ولم يبحثوا فيه، بل لدى كثير من المثقفين الذين اقتصرت ثقافتهم على الطب الحديث ولم ينظروا في الطب الوارد عن النبي (صلى الله عليه وآله) والأئمة (عليهم السلام). والمؤمن منا ليحار في التوفيق بين الحقائق والنظريات التطبيقية التي جاء بها الطب اليوم ومصاديق ذلك في ما حققه من شفاء أو تحسين الكثير من الأمراض وما قدمه للبشرية من منهج إنقاذ من أخطر الأوبئة… يحار في التوفيق بين هذه المضامين وبين ما يقرأه من تفسيرات ونظريات ووصفات ترد في طب الإسلام المنقول في كتب الأحاديث المعتبرة. فمثلا يقرأ المؤمن ما ورد عن أبي الحسن الرضا (عليه السلام) الطبائع أربع: فمنهن البلغم، وهو خصم جدل، ومنهن الدم وهو عبد وربما قتل العبد سيده ومنهن الريح وهو ملك يداوي، ومنهن المرة، وهيهات هيهات هيهات هي الأرض: إذا ارتجت ارتج ما عليها. فيحار في تفسير بعض هذه المصطلحات ولا يفهم من البلغم سوى أنه مادة تفرزها الغدد المخاطية وتظهر عادة في الإختلاطات التنفسية أما أن يكون البلغم طبيعة فهذا أمر لم يرد في الطب الحديث. وكذلك الدم لا يوجد في الطب الغربي ما يفسر تحول إلى طبيعة إنسانية. وهكذا إذا نظرنا إلى الريح والمرة والأرض فهي مفاهيم غريبة على التصور الغربي الطبي الحديث ولا مكان لها في الفيسيولوجيا العصرية. وإذا جئنا إلى الأخلاق والطباع من طريق ثان لاكتشفنا أنها تستقر في أعضائنا الداخلية وأحشائنا! ورد في الحديث عن البزنطي عن أبي جميلة عن أحد الأئمة (عليهم السلام) قوله: ( إن الغلظة في الكبد، والحياء في الرئة، والعقل مسكنه القلب). وقد مر علينا في الآداب عبارة أن شخصاً يكون غليظ الكبد ولم يمر علينا أنه حيي الرئة! لكن مر علينا قوله عز من قائل:( ولهم قلوب لا يعقلون بها) فنسب العقل إلى القلب، لكن كم من التفاسير استوعب هذا المفهوم وكم اختلف العلماء والدارسون ليتوصلوا إلى أن العقل في القلب وليس في المخ! وكم من الناس آمن بها لأنه يؤمن بقول الله (عز وجل) وكلامه ولم يكن ذلك إيمان وعي وإدراك. كل هذا سببه اختلاف المفاهيم بين الطب الحديث وطب الإسلام وهكذا طب الصين. عن محمد بن شاذان البرواذي، عن محمد بن محمد بن عبد الحارث السمرقندي عن صالح بن سعيد الترمذي عن عبد المنعم بن ادريس عن أبيه عن وهب بن ضبه أنه: وجد في التوراة صفة آدم، حين خلقه الله وابتدعه، قال الله عز وجل: إني خلقت آدم وركبت جسده من أربع أشياء ثم جعلتها دائرة في ولده، تنمي في أجسادهم، وينمون عليها إلى يوم القيامة، وركبت جسده حين خلقته من رطب يابس وسخن وبارد، وذلك أني خلقته من تراب وماء، ثم جعلت فيه نفساً ورطوبته من قبل الماء، وحرارته من قبل النفس، وبرودته من قبل الروح. ثم خلقت في جسده، بعد هذا الخلق الأول، أربعة وهن ملاك الجسد بإذني لا يقوم الجسد إلا بهن، ولا تقوم منهن واحدة إلا بالأخرى، ومنها المرة السوداء والمرة الصفراء والدم والبلغم ثم أسكنت بعض هذا الخلق في بعض، فجعلت مسكن اليبوسة في المرة السوداء، ومسكن الرطوبة في المرة الصفراء، ومسكن الحرارة في الدم، ومسكن البرودة في البلغم. فأيما جسد عدلت فيه هذا الأنواع الأربع التي جعلتها ملاكه وقوامه، وكانت كل واحدة منهن ربعاً، لا تزيد ولا تنقص، كملت صحته، واعتدل بنيانه. فإن زدت واحدة منهن عليهن، فقهرتهن، ومالت بهن، دخل على البدن السقم من ناحيتها بقدر ما زادت، وإن كانت ناقصة ثقل عنهن حتى تضعف عن طاقتهن وتعجز عن مفارقتهن. وجعل عقله في دماغه، وسره في كليته، وغضبه في كبده، وصراحته في قلبه ورغبته في ريته، وضحكه في طحاله، وفرحه وحزنه وكربه في وجهه. وجعل فيه ثلاثمائة ستين مفصلاً. أي شيء وأيّ مصدر في الطب الحديث يوافق أو يفسّر لنا كيف خلق الله آدم وأبناءه من أربعة أشياء (رطب ويابس وسخن وبارد) اللهم إلا طب الصين. ثم ما هذه الموازنة التي تقوم أركانه المرة السوداء والمرة الصفراء والدم والبلغم؟ فإذا اختلت، بأن السقم على الإنسان وإن اعتدلت، صحّ؟ الصينيون فسروا هذه المسألة في فسلجة طبهم تفسيراً منطقياً وذا مصاديق علمية وعملية وإن استخدموا في بعض الأحيان، عبارة (اليين Yin) و (اليانغYang) أما الغربيون فينكرون هذا الكلام جملة وتفصيلاً. ثم كيف نفسر أن العقل في الدماغ وقد ذكرنا قبل قليل أنه في القلب والمصدر الإسلامي واحد في الحالتين، وما معنى أن السر في الكلية والغضب في الكبد والصراحة في القلب والرغبة في الرية والضحك في الطحال، والفرح والحزن في الوجه؟ هذا ما جانبت فسيولوجيا الطب الحديث تفسيره وتعرض له طب الصين تفسيراً علمياً واضحاً لا لبس فيه ولا تناقض. فإذا جئنا إلى المفاصل الثلاثمائة والستين، وجدنا متمماً لها في الحديث النبوي: عن سعد بن عبد الله، عن يعقوب بن شعيب، قال: سمعت أبا عبد الله(عليه السلام) يقول: قال رسول الله(صلى الله عليه وآله): إن في بدن ابن آدم ثلاثمائة وستين عرقاً: مائة وثمانون دماؤه متحركة، مائة وثمانون دماؤه ساكنة، فلو سكن المتحرك لم ينم، ولو تحرك الساكن لم ينم، فكان رسول الله(صلى الله عليه وآله) إذا أصبح قال: (الحمد لله رب العالمين كثيراً على كل حال ثلاثمائة وستين مرة، فإذا أمسى قال مثل ذلك). فإذا انتقلنا إلى طب الصين، وجدنا الإشارة إلى أيام السنة وتقسيمها بما يرتبط بالأمراض وصحة الإنسان هي ثلاثمائة وستون يوماً. ووجدنا النقاط العلاجية التي توخز بالإبر في جلد الإنسان وهي ثلاثمائة وستون نقطة كأساس، أضيفت إليه بعد ذلك نقاط ثانوية قال الصينيون وغيرهم من الباحثين أنها من ضمن كشوف الأبحاث التشخيصية والعلاجية الجديدة. وهذه النقاط الستون وثلاثمائة موزعة على اثني عشر قناة تدور فيها الطاقة طبقاً للنظرية الصينية. وعن بسام الضرير، أن نصرانياً سأل الإمام الصادق (عليه السلام) عن شيء من الطب، ثم سأله عن تفصيل الجسم، فقال(عليه السلام): إن الله تعالى خلق الإنسان على اثني عشر وصلاً،… إلى أن يقول…وعلى ثلاثمائة وستين عرقاً. فالعروق التي تسقي الجسد كله، والعظام تمسكه، واللحم يمسك العظام، والعصب يمسك اللحم. ولو عدنا إلى العروق التي يشير إليها الطب الحديث لما وجدنا ثلاثمائة وستين عرقا ولا مفهوم لهذا الرقم فيه، والعرق من طبيعته أن ينبض، والنبض يحس كنقطة، فإذا أردنا انسجاماً بين النقاط الثلاثمائة وستين والعروق المساوية له في العدد، لم نبتعد كثيراً. فهل لطب الصين صلة بطب الأنبياء والأئمة (عليهم السلام) وكيف كان ذلك؟ جاء في كتاب (الأهليلجة) في (البحار) (3/180) أن الإمام الصادق (عليه السلام) قال للطبيب الهندي، بعد احتجاجات عظيمة: (فاعطني موثقاً، إن أنا أعطيتك من قبل هذه الإهليلجة التي في يدك، وما تدعي من الطب، الذي هو بضاعتك، وبضاعة آبائك، حتى يتصل الإهليلجة وما يشبهها من الأدوية، بالسماء، لتذعنن بالحق، ولتنصفن من نفسك! قال: ذلك لك). نجد هنا واضحاً أن الإمام الصادق (عليه السلام) ينسب جميع علوم الطب إلى السماء ويقرر أن كل ما في يد البشر من علوم ومعالجات طبية من تعليم الباري عز وجل وهذا يعني أنه علمه للبشر عن طريق الأنبياء إن هذه هي الوسيلة الوحيدة للصلة بين الله وخلقه. الكلام للإمام (عليه السلام) : (قلت: هل كان الناس على حال، وهم لا يعرفون الطب ومنافعه من هذه الإهليلجة وأشباهها؟ قال (الطبيب الهندي): نعم قلت: فمن أين اهتدوا له؟ قال: بالتجربة وطول المقايسة. فقلت: كيف خطر على أوهامهم، حتى هموا بتجربته؟ وكيف ظنوا أنه مصلحة للأجساد وهم لا يرون فيه إلا المضرة؟ وكيف عزموا على طلب ما لا يعرفون، مما لا تدلهم عليه الحواس؟ قال: بالتجارب. قلت: أخبرني عن واضع هذا الطب، وواصف هذه العقائد المتفرقة بين الشرق والغرب، هل كان بد من أن يكون الذي وضع ذلك، ودل على هذه العقائد، رجل حكيم، من بعض أهل هذه البلدان؟ قال: لا بد أن يكون كذلك، وأن يكون رجلاً حكيماً، وضع ذلك وجمع عليه الحكماء، فنظروا في ذلك، وفكروا فيه بعقولهم. قلت: كأنك تريد الإنصاف من نفسك، والوفاء بما أعطيت من ميثاقك، فأعلمني كيف عرف الحكيم ذلك؟ وهبه قد عرف بما في بلاده من الدواء، والزعفران، الذي بأرض فارس، وأتراه اتبع جميع نبات الأرض، فذاقه شجرة شجرة، حتى ظهر على جميع ذلك؟ وهل يدلك عقلك على أن رجالاً حكماء قدروا على أن يتبعوا جميع بلاد فارس ونباتها، وظهروا على تلك الشجرة التي يكون فيها خلط بعض هذه الأدوية التي لم تدرك حواسهم شيئاً منها؟ هبه عرف أنه لا يكون دواء حتى يضم إليه الإهليلج من الهند، والمصطكي من الروم، والمسك من التبت، والدار صيني من الصين، وخصى بيدستر من الترك، والأفيون من مصر، والصبر من اليمن، والبورق من أرمينية، وغير ذلك من أخلاط الدواء التي تكون في أطراف الأرض؟ وكيف عرف أن بعض تلك الأدوية، وهي عقاقير مختلفة، تكون المنفعة باجتماعها، ولا تكون منفعتها في الحالات بغير اجتماع؟ أم كيف اهتدى لمنابت هذا الأدوية، وهي ألوان مختلفة، وعقاقير متباينة، في بلدان متفرقة، فمنها عروق، ومنها الحلوم، ومنها ورق، ومنها ثمر، ومنها عصير، ومنها مايع، ومنها دهن، ومنها ما يعصر ويطبخ، ومنها ما يعصر ولا يطبخ، مما سمي بلغات شتى لا يصلح بعضها إلا ببعض، ولا يصير دواء إلا باجتماعها، ومنها مرائر السباع، والدواب البرية والبحرية وأهل هذه البلدان، مع ذلك متعادون مختلفون، متفرقون باللغات، متغالبون بالمناصبة، ومتحاربون بالقتل والسبي. أفترى ذلك تتبع هذا البلدان حتى عرف كل لغة، وطاف كل وجه، وتتبع هذه العقاقير، مشرقاً ومغرباً. آمناً صحيحاً، لا يخاف، ولا يمرض، سليماً لا يعطب، حياً لا يموت، هادياً لا يضل، قاصداً لا يجور، حافظاً لا ينسى، نشيطاً لا يمل، حتى عرف وقت أزمنتها، ومواضع منابتها مع اختلاطها، واختلاف صفاتها، وتباين ألوانها، وتفرق أسمائها، ثم وضع مثالها على شبهها، وصفتها، ثم وصف كل شجرة بنباتها وورقها، وثمرها، وريحها، وطعمها؟ أم هل كان لهذا الحكيم بد من أن يتبع جميع أشجار الدنيا، وبقولها، وعروقها، شجرة شجرة، وورقة ورقة، شيئاً فشيئاً؟ فهبه وقع على الأشجار، والشجرة التي أراد، فكيف دلت حواسه على أنها تصلح لدواء، والشجر مختلف، منه الحلو الحامض، والمر والمالح؟ وإن قلت: يستوصف في هذه البلدان ويعمل بالسؤال: فأنى يسأل عما لم يعاين ولم يدرك بحواسه؟ أم كيف يهتدي إلى من يسأله عن تلك الشجرة، وهو يكلمه بغير لسانه، وبغير لغته، والأشياء كثير؟ فهبه فعل، كيف عرف منافعها ومضارها، وتسكينها وتهييجها، وباردها وحارها، ولينها وشديدها، ومرارتها وحرافتها؟ فلئن قلت بالظن: إن ذلك مما لا يدرك ولا يعرف بالطبايع والحواس. ولئن قلت: بالتجربة والشراب، لقد كان ينبغي له أن يموت في أول ما شرب وجرب تلك الأدوية بجهالته بها، وقلة معرفته بمنفعتها، ومضارها، وأكثرها السم القاتل . ولئن قلت: بل طاف في كل بلد، وأقام في كل أمة، يتعلم لغاتهم، ويجرب بهم أدويتهم، يقتل الأول فالأول، حتى لا تبلغ معرفته الدواء الواحد إلا بعد قتل قوم كثير منهم. فهل كان أهل تلك البلدان، الذين قتل منهم من قتل بتجربته، بالذين، ينقادون له بالقتل، ولا يدعونه أن يجاورهم، وهبهم تركوه، وسلموا لأمره، ولم يتهموه، كيف قوي على خلطها، وعرف قدرها، ووزنها، وأخذ مثاقيلها، وقرط قراريطها؟ وهبه تتبع هذا كله وأكثره سم قاتل، إن زيد على قدرها قتل، وإن نقص عن قدرها نكل. هبه تتبع هذا كله، وجال مشارق الأرض ومغاربها، وطال عمره فيها بتتبعه، شجرة شجرة، وبقعة بقعة، كيف كان له تتبع ما لم يدخل في ذلك من مرارة الطير والسباع، ودواب البحر؟ هل كان بد حيث زعمت، أن ذلك الحكيم تتبع عقاقير الدنيا، شجرة شجرة، وثمرة ثمرة، حتى جمعها كلها، فمنها ما لا يصلح ولا يكون دواء إلا بالمرار، هل كان بد من أن يتبع جميع طير الدنيا وسباعها، ودوابها، دابة دابة، وطايراً طايراً، يقتلها ويجرب مرارتها، كما جرب وبحث عن تلك العقاقير على ما زعمت بالتجارب؟ ولو كان ذلك، فكيف بقيت الدنيا، وتناسلت، وليست بمنزلة الشجر، إذا قطعت شجرة نبتت أخرى؟ وهبه أتى على طير الدنيا التي بحث عنها حتى عرفها، وطلب ذلك من غمرات الماء؟ فإنك مهما جهلت شيئاً من هذا، فإنك لا تجهل أن دواب البحر كلها تحت الماء، فهل يدرك العقل والحواس، على أن هذا يدرك بالبحث والتجارب؟ قال (الطبيب الهندي): لقد ضيّقت عليّ المذاهب، ما الذي أجيبك به؟ قلت: كأني أتيتك بغير ذلك مما هو أوضح وأبين مما اقتصصت عليك ألست تعلم أن هذه العقاقير التي منها الأدوية والمرار، من الطير والسباع، لا يكون دواء إلا بعد الاجتماع؟ قال: هو كذلك؟ قلت (الإمام الصادق) (عليه السلام): فأخبرني كيف حواس هذا الحكيم، وضع هذه الأدوية بمثاقيلها، وقراريطها؟ فإنك من أعلم الناس بذلك لأن صناعتك الطب، وأنت تدخل في الدواء الواحد من اللون الواحد، زنه أربعمائة مثقال، ومن الآخر مثاقيل، ومن الآخر مثاقيل وقراريط فما فوق ذلك ودونه، حتى يجيء بقدر واحد معلوم، إذا سقيت منه صاحب البطنة بمقدار عقد بطنه وإن سقيت صاحب القولنج أكثر من ذلك استطلق بطنه، والآن كيف أدركت حواسه على هذا؟ أم كيف عرف بحواسه، أن الذي يسقى لوجع الرأس لا ينحدر إلى الرجلين، والإنحدار أهون عليه من الصعود؟ والذي يسقى لوجع القدمين لا يصعد إلى الرأس، وهو أقرب منه؟ وكذلك كل دواء يسقى صاحبه لكل عضو لا يأخذ إلا طريقه في العروق التي تسمى له، وكل ذلك يصير إلى المعدة ومنها يتفرق. أم كيف لا يستقل منه ما صعد، ولا يصعد منه ما انحدر؟ أم كيف عرفت الحواس هذا؟ حتى علم، أن الذي ينبغي للأذن لا ينفع العين، وما تنتفع به العين، لا يغني من وجع الأذن، وكذلك جميع الأعضاء، يصير كل داء منها إلى ذلك الدواء، الذي ينبغي له بعينه؟ فكيف أدركت العقول والحكمة والحواس لهذا؟ وهو غائب في الجوف والعروق، في اللحم وفوقه الجلد لا يدرك بسمع، ولا ببصر ولا بشم، ولا بلمس، ولا بذوق؟ قال الطبيب الهندي: لقد جئت بما أعرف، إلا أننا نقول: إن الحكيم الذي وضع هذه الأدوية وأخلاطها، كان إذا سقى أحداً شيئاً من هذه الأدوية فمات، شق بطنه، وتتبع عروقه، ونظر مجاري تلك الأدوية، وأتى المواضع التي تلك الأدوية فيها. قلت الإمام الصادق (عليه السلام): فأخبرني، ألست تعلم أن الدواء كله، إذا دفع في العروق اختلط في الدم، فصار شيئاً واحداً. قال: بلى. قلت: أما تعلم أن الإنسان، إذا خرجت نفسه برد دمه، وجمد ؟ قال: بلى. قلت: فكيف عرف ذلك الحكيم دواءه الذي سقاه للمريض، بعدما صار عبيطاً ليس بأمشاج يستدل عليه بلون فيه غير لون الدم؟ قال: لقد حملتني على مطية صعبة، ما حملت على مثلها قط، ولقد جئت بأشياء لا أقدر على ردها…). خطبة الإمام الصادق هذا أقوى رد على مزاعم الحزب الشيوعي الصيني في أن ثورتهم الثقافية هي التي قننت قوانين وقواعد طب الصين لكن إذا عدنا إلى أطباء الصين التقليديين، وجدناهم يتعاملون مع هذا الطب بكل جوانبه على أنه من الأسرار الدينية ولا يعلمونه أياً كان إلا بعد أخذ المواثيق المغلظة على حسن التصرف بأصوله وأسراره وذلك لما لهذا العلم من قابلية عظيمة على التحكم بجسم وعقل وروح الإنسان الذي يخضع للمعالجة به. فإذا أدركنا أن طب الصين سر ديني، عدنا إلى فكرة الإمام (عليه السلام) من أن مصدره من السماء على لسان الأنبياء، بغض النظر عما آل إليه وضع الصينيين حاملي هذا العلم من الشرك وتأليه الأنبياء السابقين وعبادة أصنامهم، لأن هذا المآل أمر مكروه لديهم ولدى غيرهم بالانحراف بالدين بعد مرور عدة أحقاب على وفاة كل نبي جاء برسالة السماء. وإذا تذكرنا قول النبي الأكرم (صلى الله عليه وآله): (اطلبوا العلم ولو في الصين)، فقد يخطر بالبال الإشارة إلى الصين كمثال لبعد الشقة بين المسلم والعلم وقد يكون لها مغزى أكثر من كونها كذلك وأن النبي (صلى الله عليه وآله) يكون أراد لفت نظر المسلمين إلى علم يوجد في الصين وفيه نفعهم سيما وأن كل علم صحيح مرده إلى المصدر الإلهي والى أخبار الأنبياء (عليهم السلام) ولا يستطيع أحد إدعاء اكتشافه عن طريق التجربة والخطأ للأسباب التي فصلها الإمام (عليه السلام) فيما مر علينا قبل قليل. فإذا قلنا لماذا لم يعلم النبي (صلى الله عليه وآله) أو أحد الأئمة (عليهم السلام) أصول تشخيص ومعالجات طب الصين لأتباعهم أو للمسلمين بشكل عام، يكون الجواب أنهم (عليهم السلام) مطلعون على كل العلوم وكل اللغات بدرجة الإتقان لكنهم إنما علموا الفقه والدين وليس بعيداً عن أذهاننا قول أمير المؤمنين (عليه السلام): (سلوني عن طرق السماوات فإني أعلم بها من طرق الأرض…) لكنه.. بالرغم من ذلك، لم يحرص على أن يعلم المسلمين علوم الفلك لكنه شجعهم على طلب العلم عموماً، وإذا وجدنا الصادق (عليه السلام) يلقن جابر بن حيان علوم الكيمياء فليس لأنه (عليه السلام) لم يكن يتقن غيرها وكذلك آباؤه وأبناؤه لكنه رأى بحكمته أن يوجه هذا المؤمن لطلب وإتقان هذا الاختصاص بالذات. وهكذا فإن الأنبياء والأئمة (عليهم السلام) حرصوا على تربية الناس على الدين الصحيح ومعرفة ذواتهم ومعرفة خالقهم وتركا ما دون ذلك لهم يعالجونه حسب استعداداتهم أو كما قيل (كل امرء ميسّر لما خلق له)، وحين يقول أمير المؤمنين (عليه السلام) في وصف النبي (صلى الله عليه وآله): (… طبيب دوّار بطبه..) لم يكن يقصد طب الأبدان لأن النبي (صلى الله عليه وآله) إنما كان يدور بطب الأرواح ويعالج النفوس وهو القائل (إنما بعثت لأتمم مكارم الأخلاق) فغاية الرسالة الإلهية مباشرة تهذيب النفوس ثم يأتي علاج الأمراض بما تقتضيه المناسبة ويترك الباقي للناس يباشرونه وهم يعمرون هذه الأرض ويحيون على ظهرها قاطعين هذا المشوار… مشوار العمر من خلال كفاحهم وكدحهم باتجاه بارئهم (يا أَيُّهَا الإِنْسانُ إِنَّكَ كادِحٌ إِلى رَبِّكَ كَدْحاً فَمُلاقِيهِ).
| |
|