في الإمهال والإملاء على المسلم والكافر آية الله المشكيني
الإمهال والإملاء :
هو إعطاء المهلة للعاصي المسلم أو الكافر ، وتأخير أخذه وعقابه في الدنيا
بعد ارتكابه العصيان واستحقاقه الأخذ والعقوبة ، وهو يكون :
تارة : لأن الله تعالى قد قضى في حقه بأجل مسمّى فلابد من نفوذ قضائه.
واخرى : لأجل رحمته تعالى على نفس العاصي ليتوب ، أو على غيره من حيوان أو انسان ممن يشاركه في نتائج عمله ثواباً أو عقاباً.
وثالثة : ليميز الخبيث من الطيّب ، والمؤمن من الكافر ، والمطيع من الفاسق.
ورابعة : للإضلال ، والإستدراج ليتم شقاوه ، ونعوذ بالله من ذلك.
والإمهال وإ ، كان من فعل الله تعالى إلا أنه يرجع إلى نفس العبد وينشأ من
غفلته وغرته وشقائه ، فلا بد لكل إنسان من مراقبة نفسه وأفعاله وأحواله
حتى لا يقع فيما لا محيص له من ذلك. وقد ورد في بيان ذلك عدّة وافرة من
الآيات الكتابية : قال تعالى : ( وَلَوْلَا أَجَلٌ مُسَمًّى لَجَاءَهُمُ الْعَذَابُ ) ، (1) ( وَلَوْلَا كَلِمَةٌ سَبَقَتْ مِنْ رَبِّكَ لَقُضِيَ بَيْنَهُمْ ) (2). ( وَلَوْلَا كَلِمَةُ الْفَصْلِ لَقُضِيَ بَيْنَهُمْ ) (3). ( وَلَوْ يُؤَاخِذُ اللَّهُ النَّاسَ بِظُلْمِهِمْ مَا تَرَكَ عَلَيْهَا مِنْ دَابَّةٍ وَلَكِنْ يُؤَخِّرُهُمْ إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى ) (4) وقال : ( وَرَبُّكَ
الْغَفُورُ ذُو الرَّحْمَةِ لَوْ يُؤَاخِذُهُمْ بِمَا كَسَبُوا لَعَجَّلَ
لَهُمُ الْعَذَابَ بَلْ لَهُمْ مَوْعِدٌ لَنْ يَجِدُوا مِنْ دُونِهِ
مَوْئِلًا ) (5) وقال : ( وَلَا يَحْسَبَنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنَّمَا نُمْلِي لَهُمْ خَيْرٌ لِأَنْفُسِهِمْ إِنَّمَا نُمْلِي لَهُمْ لِيَزْدَادُوا إِثْمًا ) (6) وقال : ( فَلَا
تُعْجِبْكَ أَمْوَالُهُمْ وَلَا أَوْلَادُهُمْ إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ
لِيُعَذِّبَهُمْ بِهَا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَتَزْهَقَ أَنْفُسُهُمْ
وَهُمْ كَافِرُونَ ) (7) وقال : ( وَلَقَدِ اسْتُهْزِئَ بِرُسُلٍ مِنْ قَبْلِكَ فَأَمْلَيْتُ لِلَّذِينَ كَفَرُوا ثُمَّ أَخَذْتُهُمْ ) (8) وقال : ( مَا كَانَ اللَّهُ لِيَذَرَ الْمُؤْمِنِينَ عَلَى مَا أَنْتُمْ عَلَيْهِ حَتَّى يَمِيزَ الْخَبِيثَ مِنَ الطَّيِّبِ ) (9) وقال : ( فَلَمَّا
نَسُوا مَا ذُكِّرُوا بِهِ فَتَحْنَا عَلَيْهِمْ أَبْوَابَ كُلِّ شَيْءٍ
حَتَّى إِذَا فَرِحُوا بِمَا أُوتُوا أَخَذْنَاهُمْ بَغْتَةً) (10).
وورد في النصوص :
أن لله في كل يوم وليلة ملكاً ينادي : مهلاً مهلاً عباد الله عن معاصى
الله ، فولا بهائم رتّع ، وصبية رضّع ، وشيوخ ركّع ، لصب عليكم العذاب صباً
ترضّون رضّاً (11).
1 ـ العنكبوت : 53.
2 ـ فصلت : 45.
3 ـ الشورى : 21.
4 ـ النحل : 61.
5 ـ الكهف : 58.
6 ـ آل عمران : 178.
7 ـ التوبة : 55.
8 ـ الرعد : 32.
9 ـ آل عمران : 179.
10 ـ الأنعام : 44.
11 ـ الكافي : ج2 ، ص276 ـ وسائل الشيعة : ج11 ، ص243 ـ بحار الأنوار : ج73 ، ص344 ـ نور الثقلين : ج3 ، ص40.
وأن الله إذاً أراد أن يصيب أهل الارض بعذاب قال : « لولا الذين يتحابون بجلالي لأنزلت عذاب » (1).
وأن الله إذا همّ بعذاب أهل الأرض جميعاً لارتكابهم المعاصي نظر إلى الشيب
ناقلي أقدامهم إلى الصلوات ، والولدان يتعلمون القرآن ، رحمهم ، وأخر عنهم
ذلك (2).
وأن الله ليدفع بمن يصلي من الشيعة عمن لا
يصلي ، وبمن يصوم عمن لا يصوم ، وبمن يزكي عمن لا يزيكي ، وبمن يحج عمن لا
يحج ، ولو اجتمعوا على الخلاف والعصيان لهلكوا (3) ، وهو قوله : ( وَلَوْلَا دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لَفَسَدَتِ الْأَرْضُ ) (4).
وأنه : ما عذب الله قرية فيها سبعة من المؤمنين (5).
وأنه : إذا رأيت ربك يتابع عليك نعمه وأنت تعصيه فاحذره (6).
وأنه : كم من مستدرج بالاحسان إليه ، ومغرور بالستر عليه ، ومفتون بحسن القول فيه ، وما ابتلى الله أحداً بمثل الإملاء له (7).
1
ـ ثواب الأعمال : ص212 ـ علل الشرائع : ص521 ـ من لا يحضره الفقيه : ج1 ،
ص473 ـ وسائل الشيعة : ج3 ، ص486 وج4 ، ص1201 وج11 ، ص374 ـ بحار الأنوار :
ج73 ، ص382 وج84 ، ص16 وج87 ، ص150.
2 ـ ثواب الأعمال : ص47 ـ علل الشرائع : ص521 ـ بحار الأنوار : ج73 ، ص382 وج92 ، ص185.
3 ـ البرهان : ج1 ، ص238 ـ نور الثقلين : ج1 ، ص253.
4 ـ البقرة : 251.
5 ـ الاختصاص : ص30 ـ بحار الأنوار : ج73 ، ص383.
6 ـ نهج البلاغة الحكمة 25 ـ بحار الأنوار : ج67 ، ص199 وج73 ، ص383.
7 ـ نهج البلاغة : الحكمة 116 و210 ـ بحار الأنوار : ج5 ، ص220 وج73 ، ص100 وج78 ، ص40 ـ نور الثقلاين : ج5 ، ص21. 5
وأنه ليراكم الله من النعمة وجلين ، كا يراكم من النقمة فرقين (1).
وأنه من وسّع عليه في ذات يده ، فلم ير ذلك استدراجاً فقد أمن مخوفاً ،
ومن ضيّق عليه في ذات يده فلم ير ذلك اختباراً فقد ضيّع مأمولاً (2).
وأنه : إذا أراد الله بعبد خيراً فأذنب ذنباً تبعه بنقمة ويذكّره
الاستغفار ، وإذا أراد الله بعبد شراً فأذنب ذنباً تبعه بنعمة لينسيه
الاستغفار ويتمادى به ، (3) وهو قوله تعالى : ( سَنَسْتَدْرِجُهُمْ مِنْ حَيْثُ لَا يَعْلَمُونَ ) (4) بالنعم عند المعاصي.
1 ـ نهج البلاغة : الحكمة 358 ـ بحار الأنوار : ج5 ، ص220 وج73 ، ص383.
2 ـ بحار الأنوار : ج72 ، ص51 وج73 ، ص383 ـ مرآة العقول : ج11 ، ص352 ـ نور الثقلين : ج2 ، ص106.
3
ـ الكافي : ج2 ، ص452 ـ علل الشرائع : ص561 ـ وسائل الشيعة : ج11 ، ص354
وج11 ، ص365 ـ بحار الأنوار : ج5 ، ص217 وج67 ، ص229 وج73 ، ص387 ـ نور
الثقلين : ج2 ، ص105.
4 ـ الأعراف : 182 ، والقلم : 44.
المصدر : دروس في الأخلاق-آية الله المشكيني