في الدنيا وحبها وذمها آية الله المشكيني
هنا
أمور : الأول : الدنيا في اللغه : اسم تفضيل مؤنث ادنى ، تستعمل تارة
بمعنى : الأقرب زماناً أو مكاناً ، ويقابله الأبعد ، وأخرى بمعنى : الأرذل
والأخس ، ويقابله الخير ، وثالثة بمعنى الأقل ويقابله : الأكثر. والكلمة
تطلق بمعانيها على هذه الدنيا في مقابل الآخرة ، فإنها الأقرب وجوداً
والأرذل جوهراً قيمةً ، والأقل كماً وكيفاً.
وقد استعمل في الكتاب الكريم في كل من المعاني.
والدنيا المصطلح عليها عند الشرع وأهله لها إطلاقات ثلاثة :
أحدها :
الدنيا المستعملة مطلقة في مقابل الآخرة ، وهي : عبارة عن كل ما يرتبط
بالانسان وله مساس به قبل موته في هذا العالم مما هو في داخل وجوده :
كتصوراته وتصديقاته وأقواله وأفعاله ، ومما هو خارج عنه متأصلاً كان ،
كمآكله وملابسه ومسكانه ، أو غير متأصل ، كمناصبه وولاياته ونحوها ،
وتقابله الآخرة على نحو الاطلاق ، وهي : العالم المحيط به بعد موته.
وثانيها :
الدنيا المذمومة ، وهي أخص من الأولى ، فإنها عبارة عنها ، أو عن بعض
مصاديقها مع انطباق بعض العناوين عليها وعروض بعض الحالات والإضافات لها
كما ستعرف.
وثالثها : الدنيا
الممدوحة ، وسيأتي ذكرها في ضمن الروايات. والكلام هنا في القسم الثاني ،
وهو : الدنيا التي نطق الكتاب الكريم بذمها وتحقيرها ، وحثت النصوص
المتواترة على تركها والإعراض عنها. وهذا القسم يشمل جميع ما يتعلق
بالانسان من تنعّماته وانتفاعاته ، وما يسعى في تحصيله من علومه وفنونه
ومناصبه ، وما يحصله ويعده لنفسه من أمواله وأولاده وكل ما يملكه ويدخره
لينتفع به ، كل ذلك إذا حصلت من الوجه المحرم ، أو كانت مقدمة للحرام ، أو
لوحظت بنحو الاصالة في الحياة ، وكانت مبلغ علم الإنسان ومنتهى همته ،
فتطلق على الحياة المقرونة بجميع ذلك والمشتملة عليها حياة الدنيا ، وعلى
نفس تلك الأمور عرض الحياة وزينتها ومتاعها وحطامها وما أشبهها من التعابير
القرآنية.
وظواهر الكتاب والسنة بعضها مسوق لبيان حال اشتغال
الإنسان بها وذم حبها ، وتزينها في القلب ورضا الإنسان بها ، وطمأنينته
إليها وإيثارها على الآخرة وابتغائها والفرح بها واستحبابها ، أي : ترجيحها
على الآخرة والإشراف بها وكونها لعباً ولهواً وتفاخراً وتكاثراً ، وغير
ذلك من التعابير الكاشفة عن حالات الإنسان ونفسياته المتعلقة بها والمذمومة
في الشرع.
وبعضها مسوق لبيان ما يرجع إلى حال نفس أعراضها
وأمتعتها. وأنها حقيرة صغيرة ، وأنها غرارة ملهية فانية زائلة ، وأنها تنفد
ولا تبقى ، وأنها متاع قليل ، ونحو ذلك من التعابير ، فمن الطائفة الاولى
قوله تعالى : ( زُيِّنَ لِلنَّاسِ حُبُّ الشَّهَوَاتِ ) (1) أي : زين نفس شهوات الدنيا ومشتهياتها ، وقال : ( زُيِّنَ لِلَّذِينَ كَفَرُوا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا ) (2) أي : نفس الحياة أو ما يقارنها مما عرفت آنفاً ، وقال : ( مَنْ كَانَ يُرِيدُ الْعَاجِلَةَ عَجَّلْنَا لَهُ فِيهَا مَا نَشَاءُ ) (4) وقال : ( وَمَنْ كَانَ يُرِيدُ حَرْثَ الدُّنْيَا نُؤْتِهِ مِنْهَا ) (5) وقال : ( وَرَضُوا بِالْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَاطْمَأَنُّوا بِهَا ) (6) وقال : ( وَفَرِحُوا بِالْحَيَاةِ الدُّنْيَا ) (7) وقال : ( فَأَمَّا مَنْ طَغَى * وَآَثَرَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا ) (8) وقال : ( ذَلِكَ بِأَنَّهُمُ اسْتَحَبُّوا الْحَيَاةَ الدُّنْيَا عَلَى الْآَخِرَةِ ) (9) وقال : ( اعْلَمُوا
أَنَّمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا لَعِبٌ وَلَهْوٌ وَزِينَةٌ وَتَفَاخُرٌ
بَيْنَكُمْ وَتَكَاثُرٌ فِي الْأَمْوَالِ وَالْأَوْلَادِ ) (10).
ومن الطائفة الثانية قوله : ( فَمَا مَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا فِي الْآَخِرَةِ إِلَّا قَلِيلٌ ) (11) وقال تعالى في توضيح مشتهيات الدنيا من النساء والبنين والقناطير المقنطرة من الذهب والفضة والخيل المسومة والأنعام والحرث : ( ذَلِكَ مَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَاللَّهُ عِنْدَهُ حُسْنُ الْمَآَبِ ) (12) وقال : ( وَمَا أُوتِيتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَمَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَزِينَتُهَا وَمَا
1 ـ آل عمران : 14.
2 ـ البقرة : 212.
3 ـ آل عمران : 152.
4 ـ الإسراء : 18.
5 ـ الشورى : 20.
6 ـ يونس : 7.
7 ـ رعد : 26.
8 ـ النازعات : 37 ـ 38.
9 ـ النحل : 107.
10 ـ الحديد : 20.
11 ـ التوبة : 38.
12 ـ آل عمران : 14.
عِنْدَ اللَّهِ خَيْرٌ) (1) وغير ذلك من الآيات.
وورد في النصوص : أن حب الدنيا رأس كل خطيئة (2) ، فالشقاء والشرور والخطايا والمفاسد كلها مطوية تحت عنوان الدنيا ، وذمائم الخصال ورذائلها محوية في صفة حبّها والميل إليها.
وأنه : ما فتح الله على عبد باباً من أمر الدنيا إلا فتح عليه من الحرص مثله. وأن (3) من أصبح وأمسى والدنيا أكبر همه جعل الله الفقر بين عينيه (4) ( أي : كلما صرف همه وعمره في تحصيلها زاده الله حرصاً وحاجة وفقرا ).
وأن : أبعد ما يكون العبد من الله إذا لم يهمه إلا بطنه وفرجه (5).
وأن : من كثر اشتباكه بالدنيا كان أشد لحسرته عند فراقها (6).
وأن للدنيا شعباً منها : الكبر ، وهو : أول ما عصى الله ، والحرص ، وهو : عصيان آدم وحواء ، والحسد وهو : معصية ابن آدم (7).
وأن الله قال : « جعلت
الدنيا ملعونة ، ملعون ما فيها إلا ما كان فيها لي ، وأن عبادي زهدوا في
الدنيا بقدر علمهم ، وسائر الناس رغبوا فيها بقدر جهلهم ، وما من أحد عظمها
فقرت عينه فيها ولا يحقرها أحد إلا انتفع بها » (8).
( قال المجلسي قدس سره : قوله : ( ملعون ما فيها إلا ما كان فيها لي ) هذا معيار كامل
1 ـ القصص : 60.
2 ـ الخصال : ص25 ـ المحجة البيضاء : ج5 ، ص353 ـ الوافي : ج5 ، ص889 ـ بحار الأنوار : ج51 ، ص258 وج78 ، ص54.
3 ـ الكافي : ج2 ، ص319 ـ الوافي : ج5 ، ص896 ـ بحار الأنوار ـ ج73 ، ص16.
4 ـ الكافي : ج2 ، ص319 ـ بحار الأنوار : ج73 ، ص17.
5 ـ الكافي : ج2 ، ص319 ـ وسائل الشيعة : ج11 ، ص318 ـ بحار الأنوار : ج73 ، ص18.
6 ـ الكافي : ج2 ، ص320 ـ الوافي : ج5 ، ص897 ـ بحار الأنوار : ج72 ، ص54.
7 ـ الكافي : ج2 ، ص316 ـ بحار الأنوار : ج73 ، ص19.
8 ـ الكافي : ج2 ، ص317 ـ بحار الأنوار : ج73 ، ص21.
للدنيا
الملعونة وغيرها ، فكلما كان في الدنيا يوجب القرب إلى الله من المعارف
والعلوم الحقة والطاعات ، وما يتوصل به إليها من المعيشة بقدر الضرورة
والكفاف ، فهي من الآخرة وليست من الدنيا ، وكلما يصير سبباً للبعد عن الله
والاشتغال عن ذكره ويلهي عن درجات الآخرة وكمالاتها ، وليس الغرض فيه
القرب منه تعالى والوصول إلى رضاه ، فهي الدنيا الملعونة ـ انتهى. وقد عرفت
من يؤيد ذلك.
وأن الشيطان يدبر ابن آدم في كل شيء ، فإذا أعياه جثم له عند المال فأخذ برقبته (1). ( يدبر
، أي : يتعقبه ويمشي خلفه ، وأعياه ، أي : أعيا ابن آدم الشيطان ، وجثم له
: لزم مكانه ، والمراد : أنه يقدر على إغوائه من جهة المال ).
وأن الدينار والدرهم أهلكا من كان قبلكم وهما مهلكاكم (2).
وأن مثل الحريص على الدنيا كمثل دودة القز كلما أزداد من القز على نفسها لفاً كان أبعد من الخروج حتى تموت غماً (3).
وأنه : ما ذئبان ضاريان في غنم بأفسد فيها من حب المال والشرف في دين المؤمن (4).
وأن من تعلق قلبه بالدنيا تعلق قلبه بثلاث خصال : هم لا يفنى ، وأمل لا يدرك ، ورجاء لا ينال (5).
1 ـ الكافي : ج2 ، ص315 ـ بحار الأنوار : ج73 ، ص22.
2 ـ الكافي : ج2 ، ص316 ـ بحار الأنوار : ج73 ، ص23.
3 ـ الكافي : ج2 ص134 ـ وسائل الشيعة : ج11 ، ص318 ـ بحار الأنوار : ج73 ، ص23 و68.
4 ـ الكافي : ج2 ، ص315 ـ الوافي : ج5 ، ص843 ـ وسائل الشيعة : ج11 ، ص279 ـ بحار الأنوار : ج73 ، ص24.
5 ـ الكافي : ج2 ، ص320 ـ الخصال : ص88 ـ الوافي : ج5 ، ص897 ـ بحار الأنوار : ج73 ، ص24 وج78 ، ص250.
وأن
الدنيا دار فناء وزوال ، وأهل الدنيا أهل غفلة ، والمؤمنون هم الفقهاء ،
أهل فكرة وعبرة ، لم يصمهم عن ذكر الله ما سمعوا ، ولم يعمهم ما رأوا من
الزينة ، وأهل التقوى أيسر أهل الدنيا مؤونة وأكثرهم معونة ، قوالون بأمر
الله ، قوامون على أمر الله (1).
وأن الدنيا مدبرة والآخرة مقبلة ، ولكل واحدة منهما بنون ، فكونوا من أبناء الآخرة ، ولا تكونوا من أبناء الدنيا (2).
وأن اليوم عمل ولا حساب ، والآخرة حساب ولا عمل (3).
وأن من اشتاق إلى الجنة سلا عن الشهوات ، ومن أشفق من النار رجع عن المحرمات (4).
وأن من زهد في الدنيا أثبت الله الحكمة في قلبه ، وأنطق بها لسانه ،
وبصّره عيوب الدنيا داءها ودواءها ، وأخرجه من الدنيا سالماً إلى دار
السلام (5).
وأن الدنيا دار من لا دار له ، ومال من لا
مال له ، ولها يجمع من لا عقل له ، وشهواتها يطلب من لا فهم له ، وعليها
يعادي من لا علم له ، وعليها يحسد من لا فقه له ، ولها يسعى من لا يقين له (6).
1 ـ الكافي : ج2 ، ص133 ـ بحار الأنوار : ج73 ، ص36.
2 ـ الكافي : ج2 ، ص131 ـ المحجة البيضاء : ج5 ، ص364 ـ بحار الأنوار : ج70 ، ص314 وج73 ، ص43.
3 ـ كنز الفوائد : ج1 ، ص279 ـ غر الحكم ودرر الكلم : ج2 ، ص503.
4 ـ غرر الحكم ودرر الكلم : ج5 ، ص328 ـ المحجة البيضاء : ج7 ، ص286 ـ بحار الأنوار : ج77 ، ص171.
5 ـ الكافي : ج2 ، ص128 ـ وسائل الشيعة : ج11 ، ص310 ـ بحار الأنوار : ج2 ، ص33 وج73 ، ص48.
6 ـ الوافي : ج1 ، ص75 ـ بحار الأنوار : ج73 ، ص122.
وأنه : إذا أراد الله بعبد خيراً زهده في الدنيا وبصره عيوبها (1).
وأنه إذا تخلى المؤمن من الدنيا سما ووجد حلاوة حب الله ، وكان عند أهل الدنيا كأنه قد خولط ، وإنما خالط القوم حلاوة حب الله (2).
وأن في طلب الدنيا إضراراً بالآخرة ، وفي طلب الآخرة إضراراً بالدنيا ، فأضروا بالدنيا فإنها أحق بالاضرار (3).
وأن ملكاً ينادي كل يوم ابن آدم لد للموت واجمع للفناء وابن للخراب (4).
وأن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال : مالي والدنيا ، إنما مثلي ومثلها
كمثل راكب رفعت له شجرة في يوم صائف فقال تحتها ، ثم راح وتركها (5).
وأنه قال الله تعالى : يا موسى ، لا تركن إلى الدنيا ركون الظالمين ، ولو
وكلتك إلى نفسك تنظر إليها ، إذاً لغلب عليك حب الدنيا وزهرتها ، واعلم :
أن كل فتنة بدؤها حب الدنيا ولا تغبط أحداً بكثرة المال ، فإن مع كثرة
المال تكثر الذنوب لواجب الحقوق ، ولا برضى الناس عنه حتى تعلم أن الله راض
عنه ، ولا بطاعة الناس له فإن طاعة الناس على غير الحق هلاك له ولمن اتبعه
(6).
وأن مثل الدنيا كمثل الحية ، ما ألين مسها وفي جوفها السم الناقع ، يحذرها الرجل العاقل ، ويهوى إليها الصبي الجاهل (7).
وأن من اتقى الله رفع عقله عن أهل الدنيا ، فبدنه مع أهل الدنيا وقلبه وعقله
1 ـ الكافي : ج2 ، ص130 ـ الوافي : ج4 ، ص391 ـ بحار الأنوار : ج73 ، ص55.
2 ـ الكافي : ج2 ، ص130 ـ بحار الأنوار : ج73 ، ص56.
3 ـ الكافي : ج2 ، ص131 ـ بحار الأنوار : ج73 ، ص61.
4 ـ الكافي : ج2 ، ص131 ـ بحار الأنوار : ج73 ، ص64.
5 ـ الكافي : ج2 ، ص134 ـ بحار الأنوار : ج73 ، ص68 ـ الأنوار النعمانية : ج3 ، ص104.
6 ـ الكافي : ج2 ، ص135 ـ بحار الأنوار : ج73 ، ص73.
7 ـ نهج البلاغة : الحكمة 119 ـ غرر الحكم ودرر الكلم : ج6 ، ص138 ـ وسائل الشيعة : ج11 ، ص316 ـ بحار الأنوار : ج73 ، ص75.
يعاين الآخرة ، فقذر حرامها وجانب شبهاتها (1).
وأن الدنيا كمثل ماء البحر كلما شرب منه العطشان ازداد عطشاً حتى يقتله (2) .
وأنه : لا تأسوا على ما فاتكم من الدنيا كما لا يأسى أهل الدنيا على ما فاتهم من دينهم إذا أصابوا دنياهم (3).
وأن الدنيا دار منى لها الفناء ، ولأهلها منها الجلاء (4).
وأن أغفل الناس من لم يتعظ بتغير الدنيا من حال إلى حال (5).
وأن أعظم الناس خطراً من لم يجعل للدنيا عنده خطراً (6).
وأن من رمى ببصره إلى ما في يدي غيره كثر همه ولم يشف غيظه ، ومن لم يعلم
أن الله عليه نعمة إلا في مطعم أو ملبس فقد قصر عمله ودنا عذابه (7).
وأن كل شيء تصيب من الدنيا فوق قوتك فإنما أنت فيه خازن لغيرك (8).
وأنه : ما الدنيا والآخرة إلا ككفتي الميزان ، فأيهما رحج ذهب بالآخر (9).
وأنه : ما أعطي أحد منها حفنة إلا أعطي من الحرص مثليها ، وما تعب أولياء الله في الدنيا للدنيا ، بل تعبوا في الدنيا للآخرة (10).
1 ـ الكافي : ج2 ، ص136 ـ بحار الأنوار : ج73 ، ص75.
2 ـ الكافي : ج2 ، ص136 ـ المحجة البيضاء : ج5 ، ص367.
3 ـ الكافي : ج2 ، ص137 ـ بحار الأنوار : ج73 ، ص80.
4 ـ بحار الأنوار : ج72 ، ص68 وج73 ، ص119.
5 ـ بحار الأنوار : ج71 ، ص324 وج73 ، ص88.
6 ـ بحار الأنوار : ج73 ، ص88 ـ نزهة الناظر : ص94.
7 ـ بحار الأنوار : ج73 ، ص89 ـ دار السلام : ج4 ، ص208.
8 ـ بحار الأنوار : ج73 ، ص90.
9 ـ بحار الأنوار : ج73 ، ص92.
10 ـ بحار الأنوار : ج73 ، ص92 و93.
وقال المسيح عليه السلام : إنما الدنيا قنطرة ، فاعبروها ولا تعمروها (1).
وأنه : من يئس مما فات أراح بدنه ، ومن قنع بما أوتي قرت عينه (2) .
وأنه : ما تنالون في الدنيا نعمة تفرحون بها إلا بفراق أخرى تكرهونها ،
إنا خلقنا للبقاء لا للفناء ، ولكنكم من دار تنقلون ، فتزودوا لما أنتم
صائرون إليه ، حيها بعرض موت وصحيحها بعرض سقم ، وملكها مسلوب ، وعزيزها
مغلوب (3).
وأن من صفت له دنياه فإتهمه في دينه (4).
وأن أكثر الناس شبعاً في الدنيا أكثرهم جوعاً في الآخرة (5).
وأنها سجن المؤمن وجنة الكافر (6).
وأنه : خذ من حياتك لموتك ، ومن صحتك لسقمك ، فإنه لا تدري ما اسمك غداً (7).
وأنها فناء وعناء ، وعبر وغير (8).
وأنه : كان مكتوباً في لوح اليتيمين : عجبت لمن يرى الدنيا وتصرف أهلها حالاً بعد حال كيف يطمئن إليها ؟! (9)
1 ـ المحجة البيضاء : ج6 ، ص12 ـ بحار الأنوار : ج14 ، ص319 وج73 ، ص119.
2 ـ بحار الأنوار : ج73 ، ص94.
3 ـ بحار الأنوار : ج73 ، ص966 و97.
4 ـ الأمالي : ج1 ، ص286 ـ وسائل الشيعة : ج2 ، ص910 وج8 ، ص486 ـ بحار الأنوار : ج73 ، ص98.
5 ـ الأمالي : ج1 ، ص356 ـ وسائل الشيعة : ج16 ، ص409 وج17 ، ص14 ـ بحار الأنوار : ج66 ، ص333 وج73 ، ص99.
6 ـ وسائل الشيعة : ج11 ، ص316 ـ بحار الأنوار : ج67 ، ص80 وج68 ، ص221 ـ مرآة العقول : ج7 ، ص3.
7 ـ بحار الأنوار : ج73 ، ص99.
8 ـ الأمالي : ج2 ، ص58 ـ بحار الأنوار : ج73 ، ص99 وج78 ، ص22.
9 ـ بحار الأنوار : ج73 ، ص94 و102.
وأنه : لا يجد ريح الجنة جعظري ، وهو : الذي لا يشبع من الدنيا (1).
وأن الكاظم عليه السلام قال عند رؤية قبر : إن شيئاً كان هذا آخره لحقيق
أن يزهد في أوله. وإن شيئاً هذا أوله لحقيق أن يخاف آخره (2).
وأن من عرضت له دنيا وآخرة فاختار الدنيا على الآخرة لقي الله يوم القيامة وليست له حسنة يتقي بها النار (3).
وأن المسجون : من سجنته دنياه عن آخرته (4).
وأن آخر نبي يدخل الجنة سليمان بن داود عليه السلام ، وذلك لما أعطي في الدنيا (5).
وأنها قد أصبحت كالعروس المجلوة ، والقلوب إليها تائقة ، وهي لأزواجها
كلهم قاتلة ، فلا الباقي بالماضي معتبر ، ولا الآخر بسوء أثرها على الأول
مزدجر ، ولا اللبيب فيها بالتجارب منتفع ، والناس لها طالبان : طالب ظفر
بها فاغتر ، وآخر لم يظفر بحاجته ففارقها بغرته وأسفه ، فارتحلا جميعاً
بغير زاد ، والسار فيها غار ، والنافع فيها ضار ، ولو كان خالقها لم يخبر
عنها ولم يأمر بالزهد عنها لكانت وقائعها وفجائعها قد أنبهت النائم ، وكيف
وقد جاء عنها من الله زاجر ؟! وقد صغرها الله أن يجعل خيرها ثواباً
للمطيعين وعقوبتها عقاباً للعاصين (6).
ومما يدل على
دناءتها : أن الله زواها عن أوليائه اختياراً ، وبسطها لأعدائه اختباراً ،
والله لو أنها كانت سهل المنال بلا تعب ونصب غير
أن ما أخذ منها لزمه
1 ـ الصافي : ج5 ، ص210 ـ بحار الأنوار : ج73 ، ص103.
2 ـ معاني الأخبار : ص343 ـ وسائل الشيعة : ج11 ، ص315 ـ بحار الأنوار : ج73 ، ص103 وج78 ص320.
3 ـ وسائل الشيعة : ج11 ، ص286 ـ بحار الأنوار : ج73 ، ص103.
4 ـ الوافي : ج4 ، ص26 ـ بحار الأنوار : ج67 ، ص81 وج73 ، ص105 ـ مرآة العقول : ج7 ، ص3.
5 ـ بحار الأنوار : ج14 ، ص74 وج73 ، ص107.
6 ـ بحار الأنوار : ج73 ، ص108 إلى 110.
حق
الله والشكر عليه والمحاسبة به ، لكان يحق على العاقل أن لا يتناول منها
إلا قوته خوفاً من السؤال والعجز عن الشكر ، فكيف بمن تجشم في طلبها ؟ (1)
وأنه : أنزل الساعة الماضية من الدنيا والساعة التي أنت فيها منزلة
الضيفين نزلا بك فظعن الراحل عنك بذّمة إياك فإحسانك إلى الثاوي يمحو
إساءتك إلى الماضي (2).
وأنه : ما الدنيا في جنب الآخرة إلا مثل ما يجعل أحدكم إصبعه في اليم فلينظر بم يرجع ؟ (3).
وأن الدنيا دار ما أخذه الناس منها لها ، أخرجوا منها وحوسبوا عليه ، وما أخذوه منها لغيرها قدموا عليه وأقاموا فيه (4).
وأن من أبصر بها بصرته ، ومن أبصر إليها أعمته (5).
وأن حلاوة الدنيا مرارة الآخرة ، ومرارة الآخرة حلاوة الدنيا (6).
وأنه : لا خير في الدنيا إلا لأحد رجلين : رجل يزداد كل يوم إحساناً ، ورجل يتدراك سيّئته بتوبةٍ (7).
وأن مثل الدنيا والآخرة كمثل رجل له ضرتان ، إن أرضى إحداهما أسخطت الأخرى (8).
1 ـ بحار الأنوار : ج73 ، ص110 و111.
2 ـ بحار الأنوار : ج73 ، ص112.
3 ـ بحار الأنوار : ج73 ، ص119.
4 ـ نفس المصدر السابق.
5 ـ بحار الأنوار : ج73 ، ص120 ـ مجمع البحرين : ج3 ، ص225.
6 ـ نهج البلاغة : الحكمة 251 ـ غرر الحكم ودرر الكلم : ج3 ، ص398 ـ بحار الأنوار : ج73 ، ص119 وج82 ، ص144.
7 ـ الخصال : ص41 ـ بحار الأنوار : ج2 ، ص263 وج27 ، ص167 ـ نور الثقلين : ج2 ، ص261.
8 ـ بحار الأنوار : ج73 ، ص122.
وأنهما عدوّان متفاوتان فمن أحب الدنيا أبغض الآخرة وأنّهما بمنزلة المشرق والمغرب والماشي بينهما كلما قرب من واحد بعد من الآخر (1).
وأنها دار هانت على ربها ، فخلط خيرها بشرها وحلوها بمرها لم يرضها لأوليائه ولم يضنّ بها على أعدائه (2).
وأن يومك جملك ، إذا أخذت برأسه أتاك ذنبه (3).
وأنه لا تدخل في الدنيا دخولاً يضر بآخرتك ، ولا تتركها تركاً تكون كلاً على الناس (4).
وأن من ازداد في الله علماً وازداد للدنيا حبّاً ازداد من الله بعداً ، وازداد الله عليه غضباً (5).
وأن قوله تعالى : ( إِنْ أُعْطُوا مِنْهَا رَضُوا وَإِنْ لَمْ يُعْطَوْا مِنْهَا إِذَا هُمْ يَسْخَطُونَ ) (6) أكثر من ثلثي الناس (7).
وأن الله يعطيها من يحب ويبغض ولا يعطى دينه إلا من يحب (8).
وأن أهلها كركب يسار بهم وهم نيام (9).
وأنها دار ممر إلى دار مقر (10).
1 ـ بحار الأنوار : ج73 ، ص129.
2 ـ بحار الأنوار : ج73 ، ص123.
3 ـ بحار الأنوار : ج73 ، ص124.
4 ـ نفس المصدر السابق.
5 ـ نفس المصدر السابق.
6 ـ التوبة : 58 .
7 ـ بحار الأنوار : ج73 ، ص125.
8 ـ بحار الأنوار : ج73 ، ص127.
9 ـ نهج البلاغة : الحكمة 64 ـ بحار الأنوار : ج73 ، ص128.
10 ـ نهج البلاغة : الحكمة 133 ـ بحار الأنوار : ج73 ، ص130.
وأن الناس أبناء الدنيا ، ولا يلام الرجل على حب أمه (1).
وأن من هوانها على الله أن لا يعصى إلا فيها ، ولا ينال ما عنده إلا بتركها (2).
وأنها خلقت لغيرها ولم تخلق لنفسها (3).
وأن في حلالها حساب وفي حرامها عقاب (4).
وأن ابليس خاطب الدرهم والدينار وقال : ما أبالى من بني آدم إذا أحبوكما أن لا يعبدوا وثناً ، حسبي من بني آدم أن يحبوكما (5).
وأما الدنيا الممدوحة التي يمكن سلب اسم الدنيا عنها فقد عرفت أنها كلما
كان من هذه الدنيا لله تعالى ، وفي طريق الوصول إلى رضاه ، ولازم ذلك أن لا
يكون تحصيله وحفظه وصرفه والانتفاع به إلا عن طريق سوّغه الشرع وأباحه أو
أحبه وندب إليه.
فقد ورد : أنه : قيل للصادق عليه السلام : إنا
لنحب الدنيا ، فقال : تصنع بها ماذا ؟ قال أتزوج منها وأحج بها وأنفق على
عيالي وأنيل أخواني وأتصدق ، قال لي : ليس هذا من الدنيا ، هذا من الآخرة (6).
وأن قوله تعالى : ( وَلَنِعْمَ دَارُ الْمُتَّقِينَ ) (7) أريد به الدنيا (8).
1 ـ غرر الحكم ودرر الكلم : ج2 ، ص64 ـ بحار الأنوار : ج73 ، ص131.
2 ـ نهج البلاغة : الحكمة 385 ـ غرر الحكم ودرر الكلم : ج2 ، ص625 ـ بحار الأنوار : ج73 ، ص132.
3 ـ نهج البلاغة : الحكمة 463 ـ بحار الأنوار : ج73 ، ص133.
4 ـ بحار الأنوار : ج78 ، ص23 و37.
5 ـ بحار الأنوار : ج73 ، ص137.
6 ـ بحار الأنوار : ج73 ، ص128.
7 ـ النحل : 30.
8 ـ بحار الأنوار : ج73 ، ص107.
وأنه : نعم العون : الدنيا على الآخرة (1).
وأن الدنيا ثلاثة أيام يوم مضى بما فيه ، ويوم أنت فيه ، ويوم لا تدري أنت
من أهله. أما اليوم الماضي فحكيم مؤدب ، وأما اليوم الذي أنت فيه فصديق
مودع ، وأما غداً فإنما في يديك منه الأمل (2).
وأن من
المأثور عن أمير المؤمنين عليه السلام : أن الدنيا دار غنى لمن تزود منها ،
مسجد أنبياء الله ، ومهبط وحيه ، ومسكن أحبائه ، ومتجر أوليائه ، إكتسبوا
فيها الرحمة وربحوا منها الجنة ، فمن ذا يذم الدنيا وقد نادت بانقطاعها
ومثّلث ببلائها البلاء وشوقت بسرورها إلى السرور. أيها المغرور بغرورها :
متى غرتك بنفسها ، أبمصارع آبائك ، أم بمضاجع أمهاتك (3). والكلام الشريف طويل ، أخذنا منه شيئاً قليلاً روماً للإختصار.
1 ـ الكافي : ج5 ، ص72 ـ من لا يحضره الفقيه : ج3 ، ص156 ـ وسائل الشيعة : ج12 ، ص17 ـ بحار الأنوار : ج73 ، ص127.
2 ـ بحار الأنوار : ج73 ، ص111 و112 ـ مستدرك الوسائل : ج12 ، ص149.
3 ـ بحار الأنوار : ج73 ، ص100.
المصدر : دروس في الأخلاق - آية الله المشكيني