نافذة إلى معرفة الإمام
صَفت نفسه الطاهرة، وخلُصتْ سريرته،
فكان أحد كواكب البيت النبوي يُضيء طريق الأجيال ويُنوِّر ظلمات الدنيا
بعطائه السيّال... تألق نجمه في عنان السماء، وارتقى إلى مشارف العُلى،
علماً وحلماً، شجاعة وسماحة، فضلاً وكرماً... مضافاً إلى انقطاعه التام إلى
الله سبحانه وتعالى، فصار مهوًى للقلوب والأفئدة، ولذلك تسابقت الأقلام
على مختلف انتماءاتها تُشيدُ بفضله وتذكر مناقبه، وتبيّن علوَّ شأنه...
وقبل
أن نغور في سرد كلمات علماء أهل السنّة في مدحه والثناء عليه، نحاول أن
نقدّم بين يدي القارئ الكريم إلمامة سريعة بحياة الإمام سلام الله عليه
فنقول:
ـ هو الإمام موسى بن جعفر الصادق بن محمَّد الباقر بن علي زين العابدين بن الحسين الشهيد بن علي بن أبي طالب (عليهم السلام).
ـ
أمّه حميدة البربرية، ويقال لها حميدة المُصفّاة، كانت من خيار النِّساء،
وقد مدحها الإمام الصادق (عليه السلام) بكلمات تكشف عن عظمتها وسمُوّ قدرها
فقال: «حميدة مُصَفّاة من الأدناس كسبيكة الذهب، ما زالت الأملاك تحرسها
حتى أُدّيَت إليّ كرامةً من الله لي والحُجّة من بعدي»
وُلِدَ (عليه السلام) بالأبواءلسبعٍ خلوْن من صفر سنة ثمان وعشرين ومائة.
ـ كنيته أبو الحسن، وهو أبو الحسن الأول، وأبو إبراهيم، وأبو علي، ويعرف بالعبد الصالح والكاظم (عليه السلام).
ـ تسلّم إمامة المسلمين بعد وفاة أبيه الصادق (عليه السلام) في سنة 148 هـ وكان له من العمر عشرون سنة.
ـ
عاصر في أيام إمامته أربعةً من الخلفاء العباسيين وهم: أبو جعفر المنصور،
ثُمّ ابنه محمد المعروف بالمهدي، ثم ابنه موسى المعروف بالهادي، ثمّ أخوه
هارون بن المهدي المُلقّب بالرشيد.
ـ عاش الإمام (عليه السلام) مدةً
مديدةً من حياته في ظلمات السجون، فقد سجنه المهدي العباسي ثم أطلقه، ولما
آلت النوبة إلى حكم هارون الرشيد عاد معتقلاً الإمام، وآخذاً ينقله من سجن
إلى سجن حتى استشهد (عليه السلام) في سجن السندي بن شاهك في بغداد.
ـ كانت شهادته (عليه السلام) في الخامس والعشرين من شهر رجب لسنة مائة وثلاث وثمانين للهجرة (183 هـ).
ـ دفن (عليه السلام) في المقبرة المعروفة بمقابر قريش والمعروفة اليوم بالكاظمية.
و هو الإمام السابع عند الشیعة الأثنی عشریه.
الإمام في كلمات علماء وأعلام أهل السنّة:
1 ـ الإمام الشافعي (ت: 204 هـ):
قال في «تحفة العالم»: «قبر موسى الكاظم الترياق المجرب»(1). يريد إجابة الدعاء عنده.
2 ـ الإمام أحمد بن حنبل (ت: 241 هـ):
علّق
الإمام أحمد بن حنبل على سندٍ فيه الإمام علي الرضا عن أبيه موسى الكاظم
عن أبيه جعفر الصادق عن أبيه محمد الباقر عن أبيه علي زين العابدين عن أبيه
الحسين بن علي عن أبيه علي بن أبي طالب عن الرسول الأكرم صلوات الله عليهم
أجمعين قائلاً: «لو قرأت هذا الإسناد على مجنون لبرئ من جنته»(2).
3 ـ الحسن بن إبراهيم، أبو علي الخلال شيخ الحنابلة (من علماء القرن الثالث الهجري):
قال: «ما همّني أمرٌ، فقصدت قبر موسى بن جعفر فتوسّلت به، إلا سهّلَ الله تعالى لي ما أُحِبُّ»(3).
4 ـ أبو عثمان عمرو بن بحر الجاحظ (ت: 250 هـ):
ذكر
الإمام الكاظم (عليه السلام) في رسائله عند مدحه لعشرة من الأئمة في كلام
واحد عند ذكره الرد على ما فخرت به بنو أمية على بني هاشم فقال «ومنِ الذي
يُعَدُّ مِنْ قريش ما يَعُدّه الطالبيون عَشَرة في نسق؛ كلّ واحد منهم عالم
زاهد ناسك شجاع جواد طاهر زاكٍ، فمنهم خلفاء، ومنهم مُرشّحون: ابن ابن...
هكذا إلى عشرة، وهم الحسن [العسكري] بن علي بن محمد بن علي بن موسى بن جعفر
بن محمد بن علي بن الحسين بن علي (عليهم السلام)، وهذا لم يتفق لبيت من
بيوت العرب ولا من بُيوت العجم»(4).
5 ـ محمد بن إدريس بن المنذر، أبو حاتم الرازي (ت: 277 هـ):
قال في حق الإمام أنّه: «ثقةٌ صدوق، إمامٌ مِن أئمة المسلمين»(5).
6 ـ الرازي ابن أبي حاتم (ت: 327 هـ):
قال: «صدوقٌ إمام»(6) كما نقل في كتابه «الجرح والتعديل» نص قول أبيه المتقدم مقراً به(7).
7 ـ الخطيب البغدادي (ت: 463 هـ):
قال
في «تاريخ بغداد»: «أخبرنا الحسن بن أبي بكر، أخبرنا الحسن بن محمد بن
يحيى العلوي، حدثني جدي قال: كان موسى بن جعفر يدعى العبد الصالح من عبادته
واجتهاده، روى أصحابنا أنه دخل مسجد رسول الله فسجد سجدة في أول الليل،
وسمع وهو يقول في سجوده عظم الذنب عندي فليحسن العفو عندك، يا أهل التقوى
ويا أهل المغفرة، فجعل يرددها حتى أصبح، وكان سخياً كريماً، وكان يبلغه عن
الرجل أنه يؤذيه فيبعث إليه بصرّة فيها ألف دينار، وكان يصرّر الصرر
ثلاثمائة دينار، وأربعمائة دينار ومائتي دينار، ثم يقسّمها بالمدينة، وكان
مثل صرر موسى بن جعفر إذا جاءت الإنسان الصرّة فقد استغنى» ثُم ذكر أخباراً
في مدحه والثناء عليه(8).
8 ـ عبد الكريم بن محمد السمعاني (ت: 562 هـ):
قال
في «الأنساب»: «وهو موسى بن جعفر بن محمد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي
طالب... ومشهده ببغداد مشهور يزار... زرته غير مرة مع ابنه محمد بن الرضا
علي بن موسى»(9).
9 ـ أبو الفرج عبد الرحمن بن الجوزي (ت: 597 هـ):
قال
في كتابه «صفة الصفوة»: «كان يُدعى العبد الصالح لأجل عبادته واجتهاده
وقيامه بالليل وكان كريماً حليماً إذا بلغه عن رجل يؤذيه بعث إليه بمال» ثم
إنّه ذكر ابن الجوزي منقبة ظاهرةً من مناقبه وفضيلة رائعة من جميل فضائله،
وهو ما جرى مع شقيق البلخي في طريقه إلى الحج، وما شاهده من الإمام (عليه
السلام)، حيث إنّ الإمام نطق بما في نفسه مرتين، كما أنه شاهد كيف أن البئر
قد ارتفع ماؤها بدعاء الإمام، وارتفعت على إثر ذلك ركوته التي سقطت من يده
في أعماق البئر، ثم إنّ شقيقاً طلب من الإمام أن يطعمه فناوله الركوة فشرب
منها وإذا سويق وسكر ما شرب قط ألذّ منه ولا أطيب ريحاً منه، فشبع ورَوي،
وأقام أياماً لا يشتهي طعاماً ولا شراباً... والقصة مفصلة في الكتاب
المذكور فَمَن شاء فليراجع(10).
كما أنّ ابن الجوزي ترجم الإمام في كتابه «المنتظم» ومدحه بكلمات تقرب من النص المتقدم(11).
10 ـ الفخر الرازي (ت: 604 هـ):
قال
عند تفسيره لمعنى الكوثر: «والقول الثالث الكوثر أولاده....فالمعنى أنه
يعطيه نسلاً يبقون على مرّ الزمان، فانظر كم قُتل من أهل البيت ثُم العالم
ممتلئ منهم، ولم يبق من بني أمية في الدنيا أحد يعبأ به، ثم انظر كم كان
فيهم من الأكابر من العلماء كالباقر والصادق والكاظم والرضا (عليهم
السلام)...»(12)
11 ـ ابن الأثير الجزري (ت: 630 هـ):
قال في كتابه «الكامل في التاريخ»: «وكان يلقّب بالكاظم لأنه كان يحسن إلى من يُسيء إليه، كان هذا عادته أبداً»(13).
12 ـ العارف الشيخ محيي الدين محمد بن علي المعروف بابن عربي (ت: 638 هـ):
قال
في «المناقب» المطبوع بآخر «وسيلة الخادم إلى المخدوم» للشيخ فضل الله
الأصبهاني (ص296): «وعلى شجرة الطور، والكتاب المسطور، والبيت المعمور،
والسقف المرفوع، والسر المستور، والرق المنشور، والبحر المسجور، وآية
النور، كليم أيمن الإمامة، منشأ الشرف والكرامة، نور مصباح الأرواح، جلاء
زجاجة الأشباح، ماء التخمير الأربعيني، غاية معارج اليقيني، إكسير فلزات
العرفاء، معيار نقود الأصفياء، مركز الأئمة العلوية، محور فلك المصطفوية،
الآمر للصور والأشكال بقبول الاصطبار والانتقال، النور الأنور أبي إبراهيم،
موسى بن جعفر عليه صلوات الله الملك الأكبر»(14).
13 ـ محمد بن طلحة الشافعي (ت: 652 هـ):
قال
في كتابه «مطالب السؤول في مناقب آل الرسول»: «هو الإمام الكبير القدر،
العظيم الشأن، الكبير المجتهد الجاد في الاجتهاد، المشهور بالعبادة المواظب
على الطاعات، المشهود له بالكرامات، يبيت الليل ساجداً وقائماً، ويقطع
النهار متصدقاً وصائماً، ولفرط حلمه وتجاوزه عن المعتدين عليه دعي كاظماً،
كان يُجازي المسيء بإحسانه إليه، ويقابل الجاني بعفوه عنه، ولكثرة عبادته
كان يُسمّى بالعبد الصالح، ويعرف بالعراق باب الحوائج إلى الله لنجح مطالب
المتوسلين إلى الله تعالى به، كرامته تحار منها العقول، وتقضي بأن له عند
الله تعالى قدم صدق لا تزل ولا تزول... وأما مناقبه فكثيرة ولو لم يكن منها
إلاّ العناية الربانية لكفاه ذلك منقبة ثم ذكر بعض مناقبه ومنها قصة شقيق
البلخي المتقدمة الذكر(15).
14 ـ سبط ابن الجوزي (ت: 654 هـ):
قال في
كتابه «تذكرة الخواص»: «وكان موسى جواداً حليماً وإنما سمّي الكاظم لأنه
كان إذا بلغه عن أحد شيء بعث إليه بمال» وذكر بإسناده إلى شقيق البلخي
القصة المشار إليها فيما سبق(16).
15 ـ ابن أبي الحديد المعتزلي (ت: 655 هـ):
نقل
ما تقدم من كلام الجاحظ(17) مقرّاً له عليه بدلالة قوله في أول البحث
«ونحن نذكر ما أجاب به أبو عثمان عن كلامهم ونضيف إليه من قبلنا أموراً لم
يذكرها فنقول...»(18).
كما أنه قال عن الإمام في نفس الفصل: «ومن رجالنا
موسى بن جعفر بن محمد ـ وهو العبد الصالح ـ جمع من الفقه والدين والنسك
والحلم والصبر»(19).
16 ـ ابن الساعي (ت: 674 هـ):
قال في «مختصر
تاريخ الخلفاء»: «أما الإمام الكاظم فهو صاحب الشأن العظيم، والفخر الجسيم،
كثير التهجد، الجاد في الاجتهاد، المشهود له بالكرامات، المشهور
بالعبادات، المواظب على الطاعات، يبيت الليل ساجداً وقائماً ويقطع النهار
متصدقاً وصائماً، ولفرط حلمه، وتجاوزه عن المعتدين عليه كان كاظماً، يجازي
المسيء بإحسانه إليه، ويقابل الجاني بعفوه عنه، ولكثرة عبادته يسمّى بالعبد
الصالح، ويعرف بالعراق بباب الحوائج إلى الله لنجح المتوسلين إلى الله
تعالى به، كراماته تحار منها العقول، وتقضي بأن له قدم صدق عند الله لا
تزول»(20).
17 ـ ابن خلّكان (ت: 681 هـ):
قال في كتابه «وفيات
الأعيان»: [هو] «أحد الأئمة الاثني عشر، رضي الله عنهم أجمعين» ثم نقل ما
تقدم ذكره من قول الخطيب البغدادي من دون تعليق عليه(21).
18 ـ أبو الحجاج يوسف المزي (ت: 742 هـ):
ذكر في كتابه «تهذيب الكمال» نصّ قول أبي حاتم المتقدم، كما أنّه اقتصر على ذكر أخبار عديدة في مدح الإمام والثناء عليه(22).
19 ـ شمس الدين محمد بن أحمد بن عثمان الذهبي (ت: 748):
قال في «سير أعلام النبلاء»: «الإمام، القدوة، السيد أبو الحسن العلوي، والد الإمام علي بن موسى الرضا، مدني، نزل بغداد».
وقال في «العبر»: «وكان صالحاً عابداً جواداً حليماً كبير القدر».
وقد نقل في هذين الكتابين قول أبي حاتم المتقدم في أنّ الإمام: «ثقة صدوق إمام من أئمة المسلمين» من دون أي تعليق عليه(23).
وقد ترجم له أيضاً في «تاريخ الإسلام»، وقال عنه: «وكان صالحاً، عالماً عابداً، متألهاً... »(24).
20 ـ اليافعي اليمني المكّي (ت: 768 هـ):
قال
في كتابه «مرآة الجنان»: «وفيها [أي سنة 183 هـ] توفي السيد أبو الحسن
موسى الكاظم ولد جعفر الصادق، كان صالحاً عابداً جواداً حليماً كبير القدر،
وهو أحد الأئمة الاثني عشر على اعتقاد الإمامية، وكان يُدعى بالعبد الصالح
من عبادته واجتهاده، وكان سخياً كريماً. كان يبلغه عن الرجل أنه يؤذيه
فيبعث إليه بصُرّة فيها ألف دينار...»(25).
21 ـ أبو الفداء إسماعيل بن كثير الدمشقي (ت: 774 هـ):
قال
في «البداية والنهاية»: «وكان كثير العبادة والمروءة، إذا بلغه عن أحد
أنّه يؤذيه أرسل إليه بالذهب والتّحف... وأهدى له مرّة عبد عصيدة فاشتراه
واشترى المزرعة التي هو فيها بألف دينار وأعتقه ووهب المزرعة له...»(26).