تمتلك العقيلة زينب مفاخر حسبية ونسبية، كما هي أمّها الزهراء (عليها السلام). فعلى صعيد النسب، فإنّ أمها فاطمة الزهراء، بنت خاتم الأنبياء الرسول الأعظم (صلى الله عليه وآله)، أمها زينب (عليها السلام) فهي ابنة سيد الأوصياء أسد الله الغالب علي بن أبي طالب (عليه السلام).
والزهراء ابنة خديجة الكبرى أمّ المؤمنين أما زينب فابنة الزهراء، سيدة نساء العالمين، التي ترعرعت في بيت الطهارة والعصمة. الزهراء تلقت تربيتها في حجر النبي الأكرم (صلى الله عليه وآله)، وزينب تربّت في حجر الوصي الولي علي بن أبي طالب: الذي كان أقرب الناس إلى الرسول وكما للزهراء (عليها السلام) ولدان، الحسن والحسين استشهدا في سبيل الله، وكذلك للعقيلة ولدان: عون ومحمد، استشهدا مع الحسين يوم عاشوراء.
الفضائل الحسبية
تعتمد الفضيلة الحسبية للإنسان على عاملين مهمّين هما العلم والعمل، فهما الجناحان الذين تحلق بهما الروح الإنسانية، وكلما قويا عند الإنسان، ازداد شأنه وعظمته.
وللعلم مراتب، والمقصود بالعلم، هو مقام اليقين ولليقين أيضاً مراتب، أسماها اليقين بواحدانية الله. أما العلم بالمعاد، فله مراتب ودرجات أيضاً، أعلاها مرتبة حقذ اليقين التي وصلها الإمام علي (عليه السلام) عندما قال: (لو كشف الغطاء ما ازددت يقينا) أما العقيلة زينب فقد بلغت هي الأخرى أعلى مراتب اليقين، كما هي أمها الزهراء (عليها السلام).
العمل المطابق للعلم
على الصعيد العملي في شخصيّة العقيلة زينب (عليها السلام) نرى هناك تطابقاً بين الفعل والعلم الذي بلغته، فعلمها ويقينها يترجم عملياً من خلال سلوكها وممارساتها العملية.
فمثلاً: العبادة والعبودية لله تعالى هي من آثار مقام اليقين الذي يبلغه الإنسان وكلما ازداد الإنسان يقيناً ازداد خشوعه وخضوعه لله، وما وصل إلينا عن مدى عبادة الزهراء (عليها السلام) ينطبق تماماً - كما نقلته الروايات - على ابنتها العقيلة، فقد ورد في (رياحين الشريعة) أنّ زينب (عليها السلام) لم تترك الدعاء والتهجد في جوف الليل طوال عمرها، ولم تكن تترك ذلك ليلة واحدة، فحتى ليلة الحادي عشر من محرم، ورغم كلّ المصائب التي كانت قد نزلت بها ذلك اليوم، روى السجاد (عليه السلام) أنّ عمته زينب (عليها السلام)، أدّت صلاة الليل وهي جالسة، كما روى عن الإمام السجاد أنّ العقيلة ظلت تؤدّي النوافل المستحبة طوال الطريق من كربلاء إلى الشام، كما يروي الإمام أيضاً أنه عندما ودّع الإمام الحسين العقيلة زينب قال لها: (أختاه، لا تنسيني في نافلة الليل).
مثال آخر: الصبر يعتبر لازمة العلم واليقين وللصبر درجات، وكلما ازداد اليقين، ازداد الصبر، وكذلك الحال مع خصال الزّهد والقناعة والتسليم بمشيئة الله، والحلم، والرأفة وغيرها، كلها من لوازم اليقين، تزداد وتترسّخ كلما ازداد اليقين.
وفي شخصيّة العقيلة زينب، نرى الالتزام العملي بالعلم الذي تمتلكه، في أعلى المراتب والدرجات، فالصبر الذي أبدته زينب (عليها السلام) لم يسبق له نظير، والعبارة الواردة في زيارة (الناحية) المشهورة: (لقد عجبت من صبرك ملائكة السماء) يمكن أن تخاطب بها العقيلة زينب أيضاً، لما أبدته من صبر على المصائب. والحقيقة أنّ صبر زينب معروف للجميع، فالإمام الحسين، استشهد ظهر العاشر من محرم، لكنّ العقيلة ظلت تواجه المصائب والبلايا بعد ذلك، خاصة في طريق العودة إلى الشام، حيث الجوع والعطش والأيتام والأرامل المتعلقين بأذيالها، بعدما فقدوا الآباء والأزواج.
لقد منحها الله سبحانه وتعالى قوّة روحية تمدّها بالصبر والتحمّل في سلوكها العملي. فكانت العقيلة فريدة في صبرها، كما هي فريدة في علمها ويقينها، ترى من يستطيع إدراك درجة الروحانية لدى هذه السيدة الجليلة.
زينب الزاهدة الحقيقية
للعقيلة زينب فضائل أخرى كالزهد، الذي هو أيضاً، انعكاس عملي لعمق علمها ويقينها.؟
إن الزهد الحقيقي هو أن يتوجه قلب الإنسان إلى الله فقط يحبّ ما يحبّه الله ويكره ما يكرهه؛ يفضّل الله ومرضاته على كلّ شيء. وليس الطلب، اعتزال الدنيا أو عدم امتلاك المال، فالزّهد أمر قلبي هو الحبّ في الله والبغض في الله، اتباع كلّ ما هو إلهي، وترجيح الآخرة على الدنيا، وترك الملذات التي ليس فيها رضى الله، إنّ أسمى مراتب الزهد، هي عند الأنبياء والأئمة المعصومين، أي أنّ الزهد السالف الذكر هو شرط النبوة والإمامة، وكذلك حال الأولياء، أمثال العقيلة زينب؛ فسيرتها تخبرنا عن مستوى زهدها واعراضها عن كلّ ما هو غير إلهي، من شهوات الدنيا وزينتها.
عبد الله الطيار زوج زينب (عليها السلام)
تزوّجت العقيلة زينب من عبد الله بن جعفر الطيار، وهو من الأثرياء في المدينة. ومعروف أنّ ثروته إنما جاءت بفعل دعاء النبي (صلى الله عليه وآله) له. فعندما قتل أبوه جعفر الطيار (عليه السلام) أولى الرسول الكريم (صلى الله عليه وآله) ابنه عبد الله رعاية كبيرة؛ وعندما رآه يوماً يخوض معاملة تجارية دعا له الله سبحانه وتعالى أن يباركه.
كما كان عبد الله معروفاً بالسّخاء والجود لدرجة أنه كان يُضرب به المثل بالسخاء. فقد كانت دارهُ مفتوحة بوجه الفقراء والعاجزين والمحتاجين.
زينب تفضل المصائب على حياة الراحة
لقد كانت العقيلة زينب تعيش في ظلّ ظروف اقتصادية جيدة جداً ففي بيتها الجواري والغلمان؛ وكلّ ما يمكن أن يقتنيه صاحب مال أو سلطة من وسائل الراحة والرفاهية ومع كلّ هذا فضلت الخروج مع أخيها الحسين وتحمّل كلّ المصائب والشدائد التي واجهتها في مسيرتها على كربلاء ومن ثمّ إلى الشام.
إنه الزهد الحقيقي ولو لم تكن تعلم بما سيؤول إليه حالها وحال أخيها لكان الأمر عادياً. لكنها كانت تعلم بمجريات الأحداث الآتية منذ أن خرجت مع أخيها من المدينة إلى مكة فقد أخبرها جدّها رسول الله (صلى الله عليه وآله)؛ وكذلك أبوها وأمها بأن تستعدّ للمصائب.
إذاً فقد كانت العقيلة على علم ويقين بالمصائب والبلايا ومع ذلك اختارت هذا الطريق وتحمّلت فيه المشقات والمصائب وأخيراً الأسر.
ابن عباس يحاول منع زينب (عليها السلام)
حاول ابن عباس منع الإمام الحسين من اصطحاب العقيلة زينب معه قائلاً: إذا كنت أنت قد صمّمت على الذهاب فلا تصطحب معك زينب، حينذاك سمعت زينب الحديث وأطلت برأسها من داخل المحمل منزعجة، وقالت لابن عباس:... يا ابن عباس أتريد التفريق بيني وبين أخي الحسين.
إنها أعلى مراتب الزهد الناجم عن اليقين بحيث يجعلها تترك حياة الدعة والراحة وتتجه إلى هذه الصحراء وما لاقته فيها من مصائب وويلات. إنّ نكران الذات هذا يجسّد مدى روحانيّة هذه المرأة العظيمة ومدى ارتباطها بالخالق عزّ وجلّ إنها الروحانية التي تتجسّد في النبي والإمام.
تقدّم أولادها في سبيل الله
السخاء والجود من الخصائل والفضائل الإنسانية وهي تتجسّد بأعلى مراتبها في النبي والإمام وهي انعكاس لدرجة الإيمان. وفي شخصية السيدة زينب تجسّدت أعلى مراتب الجود والسخاء كما تجسّدت عند أخيها الحسين، وعند أهل العقل. والأولاد أهمّ ما لدى الإنسان لأنهم حصيلة العمر وفلذات الأكباد والعقيلة زينب لم تكتف بترك الراحة والمال بل قدّمت قرّتي عينيها عون ومحمد في سبيل الله يوم العاشر من محرّم فهل. فهل هناك جود وسخاء أعلى مرتبة من ذلك؟
زينب تنعى علي الأكبر
عندما استشهد ولدا العقيلة، عون ومحمد في ميدان الجهاد جاء بهما الإمام الحسين إلى الخيمة لكنّ العقيلة زينب لم تخرج من خيمتها، أمّا عندما جاء الإمام بجسد ابنه علي الأكبر خرجت العقيلة من خيمتها نادبة إيّاه بعبارة (وا أمّاه) معتبرة إياه ولدها. هذه الحادثة تكشف مدى الخلق الرفيع الذي تحلت به العقيلة.
العقيلة لا تعجب بعملها
هناك تفسير واحد للمشهد السالف الذكر، فما فعلته زينب (عليها السلام) يكشف مدى إخلاص نيتها؛ فعملها خالص لوجه الله ومن لوازم الإخلاص في النية أن لا يعجب الإنسان بعمله، وعمل زينب (عليها السلام) عندما قدّمت ولديها في سبيل الله كان خالصاً لوجه الله ولهذا لم تخرج من خيمتها ولم تندب ابنيها.
الحياة غاية وكرم
كما يكشف ذلك المشهد علاوة على إخلاص النية، كمالاً آخر في شخصية العقيلة هوما يسمى بـ (حياء الكرم)؛ فالكريم الذي يكرّم يحسّ بالحياء والخجل، وهذه صفة الكرماء، ألم تسمعوا بالإمام الحسين يعطي فقيراً أربعة آلاف درهم من شق الباب لأنه خجل لقلة هذا العطاء. إنه الذي يدعى بحياء الكرم.
أما اللئيم فيعطي القليل ويراه كثيراً، وعطاؤه مصحوب بالمنّ والجميل وهذه صفة اللئام.
فزينب (عليها السلام) تجود بولديها ومع ذلك تشعر بالخجل لاعتقادها أنها لم تستطع تقديم خدمة كبرى لأخيها الحسين في محنته. ولهذا نراها تفيض على علي الأكبر ابن الحسين حزناً وبكاءً لدرجة أن الحسين (عليه السلام) أبعدها عن جسده بصعوبة، وهنا تبرز أمامنا خصلة أخرى في شخصية العقيلة هي الرقةوالعاطفة ومواساة الحسين بحيث أنها قالت ليلة عاشوراء: (ليتهم يقبلون بقتلي أنا بدل أخي الحسين).
سخاء زينب منذ الصغر
ينقل بعض الرواة قصّة تؤكد السخاء الفطري للعقيلة زينب، فقد جاء أمير المؤمنين علي (عليه السلام) يوماً بضيف إلى بيته؛ فسأل الزهراء (عليها السلام) عمّا لديها ليقدّمه للضيف فأجابت بأنه ليس لديها غير رغيف خبز لابنتها زينب التي كانت نائمة لكنها ما إن سمعت كلام أمها حتى نهضت قائلة: قدّمي الرغيف للضيف يا أمي. وكان عمرها آنذاك أربعة أعوام. إنّ فضائل أهل البيت وخصالهم فطريّة وليست اكتسابية، علمهم وعملهم فطري لذا نرى هذه الخصال منذ الصغر حتى تصل إلى مرحلة الجود بولديها يوم عاشوراء.
إنّ الإنسان كلما ذهب أكثر ارتفعت منزلته عند الله أكثر وكلما أبدى صبراً وحياءً وكرماً وسخاءً أكثر كلما حصل سعادة أكثر في الدار الآخرة.
المروءة والروحانية
المروءة من صفات الكمال الإنساني المرتبطة بالروحانيّة، والتي تترسخ أكثر كلما تعمّقت روحانية الإنسان؛ والمقصود بالمروءة هنا هي تفضيل الإنسان لراحة الآخرين وسعادتهم على راحته وسعادته، وصاحب المروءة هو الذي يشقى من أجل راحة الآخرين وسعادتهم.
مروءة زينب رعاية الأيتام
يقول الإمام زين العابدين (عليه السلام) إنّ عمته زينب (عليها السلام) لم تترك صلاة الليل طول المدّة التي قضوها في الطريق من كربلاء إلى الشام، وفي أحد الأيام رآها تصلي وهي جالسة فسألها عن السبب فقالت إنها لا تقوى على الوقوف لأنّ الرغيف الذي أعطي لها تلك الليلة قسّمته بين الأطفال الذين لم تكفهم حصّتهم من الخبز المقدّم إلى الأسرى.
وورد في كتاب (طراز المذهب وبحر المصائب) عدّة روايات عن مروءة زينب ورعايتها للأيتام فجاء في إحداها أنه عندما كانت قافلة الأسرى تسير من كربلاء إلى الشام سقط أحد الأطفال من على ظهر الناقة وصرخ يا عمة، وعندما انتبهت العقيلة زينب لذلك ألقت بنفسها من فوق الناقة ولم يكترث جنود يزيد لذلك بل تركوا العقيلة تعود لتفتش عن الطفل بنفسها، وبعد البحث وجدت الطفل ميتاً وقد داسته أرجل الجمال والخيل فصرخت زينب وبكته بأعلى صوتها.
ألا زر بـــــقعة بـــــالشام طابت لزيــــــنب بــــضعة لأبي تراب
فقل للمذنبــــــين أن ادخـــلوها تكـــــونوا آمنـــــين من العذاب
لم أكن بالذي أرجأ مطالعة (العرفان) عن يوم وصوله ولكن حلول الشهر الحرام (شهر رجب) وموجة المهرجانات الدينية وقيام مواسم للخطابة أخَّراني أكثر من شهر، ومذ سمح الوقت بفترة مكنتني من التروح في هذه الجنينة النضرة رأيت في بعض ما رأيت كلمة فضيلة الشيخ موسى عز الدين حول سيدتنا زينب الكبرى بنت الإمام أمير المؤمنين (عليه السلام)، ولما كان فيها من الخبط ما لا يمت إلى الحقيقة بصلة أرسلت هذه الكلمة حرصاً على بيان الواقع ونرجو من الله أن نكون متثبتين عند الخوض في مثل هذه المواضيع.
نقاشنا معك - أيها الأخ - من ناحيتين، الأولى انكم أرسلتم تزويج أم كلثوم بنت أمير المؤمنين (عليه السلام) من الخليفة عمر بن الخطاب ارسال المسلمات مع أنها من القضايا التي اضطرب فيها التاريخ وحسبك أن تقف على (المستدرك على الصحيحين في الحديث) للحافظ الكبير الحاكم النيسابوري: ج 3 ص 142 عندما يروي زواج أم كلثوم بنت علي (عليه السلام) من عمر ويأتي الذهبي في الذيل فيقول قلت منقطع، ومتى علمنا أن الخبر إذا لم يصححه (الذهبي) سقط عن الاعتبار أيقنا بسخافة هذه الرواية.
وهنا أستميح الإصغاء من فضيلة الكاتب لنقع على الحقيقة، ذكر ابن عبد البر المالكي في (الاستيعاب) ان عون بن جعفر بن أبي طالب المولود على عهد رسول الله (صلى الله عليه وآله) قد استشهد في (تستر) ولا عقب له، وذكر ابن حجر العسقلاني الشافعي في (الإصابة): ج 8 ص 275 زواج أم كلثوم من عمر قال: وبعد وفاة عمر تزوجها عون ثم أخوه عبد الله بن جعفر فماتت عنده، وهذه الرواية إذا نظرتموها في نفس الكتاب عرفتم اضطرابها ثم يروي في: ج 5 ص 45 ان عون بن جعفر استشهد في (تستر) وذلك في خلافة عمر وما له عقب.
وبدورنا نسأله إذا كان عون بن جعفر قتل يوم تستر ولا كلام من أن يوم تستر كان في خلافة عمر بن الخطاب وفيه أسر الهرمزان وكان موت عمر بعد يوم تستر بسبع سنين فكيف تزوجها عون بعد عمر.
وها نحن نورد كلام شيخنا الجليل الشيخ المفيد محمد بن محمد بن النعمان البغدادي المتوفى (سنة 413) في جواب المسألة العاشرة من المسائل السرودية لما سأله السائل عن حكم ذلك التزويج - وكلامه الفصل - وهذا نصه:
إن الخبر الوارد بتزويج أمير المؤمنين ابنته من عمر غير ثابت، وطريقه من الزبير بن بكار وطريقه معروف لم يكن موثوقاً، به في النقل وكان متهماً فيما يذكره من بغضه لأمير المؤمنين فيما يديعه عنهم على بني هاشم، وإنما نشر الحديث إثبات أبي محمد الحسن بن يحيى صاحب النسب ذلك في كتابه فظن كثير من الناس انه حق لرواية رجل علوي له، وإنما هو رواه عن الزبير كما روى الحديث نفسه مختلفاً فتارة يروي أن أمير المؤمنين تولى العقد على ابنته، وتارة يروي ان العباس تولى ذلك، وتارة يروي انه لم يقع العقد إلا بعد وعيد من عمر وتهديد لبني هاشم، وتارة يروي انه من اختيار وإيثار. ثم بعض الرواة يذكرون ان عمر أولدها ولداً سماه زيداً، وبعضهم أن لزيد بن عمر عقباً، ومنهم من يقول ان أمه بقيت بعده، ومنهم من يقول ان عمر أمهر أم كلثوم أربعين ألف درهم، ومنهم من يقول أمهرها أربعة آلاف درهم، ومنهم من يقول كان مهرها خمسمائة درهم، وبدء هذا القول وكثرة الاختلاف يبطل الحديث ولا يكون له تأثير على حال انتهى كلامه.
وعقيدتي انكم إذا غربلتم الأخبار تبين لكم أن أم كلثوم لم يتزوج بها غير ابن عمها عون ابن جعفر بن أبي طالب حتى قتل عنها بكربلاء وكانت هي أيضاً قد جاءت على طف كربلاء مع خيها سيد الشهداء وقد توفيت بالمدينة بعد رجوعها من وقعة الطف كذا ذكر عدة من المؤرخين.
الناحية الثانية تعيين قبر زينب الكبرى ويظهر أنكم مقتنعين برأي الشيخ النقدي (رحمه الله) وهو ممن عاصرناه وساجلناه وليس لنا أن نقف أمام آرائه مكتوفي الأيدي على أن كتابه هذا من أقل مؤلفاته قيمة. وهذا أيضاً مقتنع برواية العبيدلي ومطمئن إليها تلك الرواية التي جاء فيها ما يتنافى وكرامة أل البيت (عليهم السلام) منها قوله في ص 17 لما قام عبد الله بن الزبير بمكة وحمل الناس على الأخذ بثأر الحسين وخلع يزيد بلغ ذلك أهل المدينة فخطبت فيهم زينب وصارت تؤلبهم على القيام فبلغ ذلك عمرو بن سعد فكتبت إلى يزيد فأمره ذاك ان يفرق البقية الباقية من آل البيت في الأقطار والأمصار وطلب الوالي إليها ان تخرج إلى مصر - ويراها هناك عبد الله بن عبد الرحمن الأنصاري بعد قدومها مصر بأيام ويقول: فو الله ما رأيت مثل وجهها كأنه شقة قمر، إن التي تتحدث عنها هي مخدرة علي بن أبي طالب وعقيلة الهواشم ومعنى العقيلة هي الكريمة في قومها والمخدرة في بيتها أهذه هي التي يراها كما يصف فأين إذن مجد هاشم وشممهم:
جفت عزائم فهو أم ترى بردت منهـا الحمية أم قد ماتت الشيم
ولا تنسى انخذال يزيد بعد يوم الطف وكيف كان يتستر من عارها ويعزوها إلى ابن مرجانة ويوصي جنود (الحرة) بعدم التعرض لعلي بن الحسين السجاد وأن تكون داره مأمناً أتراه يعيدها جذعة بتفسيره عقيلة بني هاشم.
ثم إذا علمنا أن أكثر ضرائح أهل البيت ومزارات الشيعة يأخذها الخلف عن السلف وانهم أعرف بآثار ساداتهم (وأهل البيت أدرى بما فيه) أيقنا بنسبة بقعة الشام للسيدة الطاهرة تقول صاحبة (الدر المنثور في طبقات ربات الخدور) 233 ان للسيدة زينب مقامين أحدهما بدمشق وهو مقصود من كل الجهات خصوصاً من الشيعة، وما إقبال الشيعة على هذا المزار دون غيره إلا لأنهم أخذوه بالتواتر وهاك طائفة من أقوال عظمائنا ومحققينا ثم لك الحكم بعد التأمل فيها:
1 - العلامة الكبير ثقة الإسلام السيد حسن الصدر (قدس الله نفسه الزكية) قال في (نزهة أهل الحرمين) زينب الكبرى بنت أمير المؤمنين (عليه السلام) وكنيتها أم كلثوم قبرها في قرب زوجها عبد الله بن جعفر الطيار خارج دمشق الشام معروف، جاءت مع زوجها عبد الله بن جعفر أيام عبد الملك بن مروان إلى الشام سنة المجاعة ليقوم عبد الله بن جعفر فيما كان له من القرى والمزارع خارج الشام حتى تنقضي المجاعة فماتت زينب هناك ودفنت في بعض تلك القرى. هذا هو التحقيق في وجه دفنها هناك وغيره غلط لا أصل له فاغتنم فقدوهم في ذلك جماعة فخبطوا خبط العشواء انتهى.
2 - معالي العلامة البحاثة السيد هبة الدين الحسيني (رحمه الله) قال في كتابه (نهضة الحسين) ما نصه: جاء في (الخيرات الحسان) وغيره ان مجاعة أصابت المدينة فرحل عنها بأهله عبد الله بن جعفر (رحمه الله) إلى الشام في ضيعة له هناك، وقد حمت زوجته زينب من وعثاء السفر أو ذكريات أحزان وأشجان من عهد سبي يزيد لآل الرسول ثم توفيت على أثرها في نصف رجب سنة 65 هـ ودفنت هناك حيث المزار المشهور.
3 - العلامة الثبت السيد جعفر بحر العلوم أيده الله شيخ الأسرة في عصرنا قال في كتابه (تحفة العالم) بعدما ذكر البقعة الزينبية خارج الشام ما نصه: ونقل بعض الموثقين عن أستاذه المحدث النوري (رحمه الله) انه وقع قحط عظيم في المدينة وان عبد الله بن جعفر انتقل إلى الشام فراراً من القحط، ومن قصده الرجوع إلى المدينة بعد ارتفاع القحط عنها وكانت زينب معه فاتفق انها مرضت في أيام استقامتها في الشام في القرية التي فيها المزار الآن فماتت هناك في ضيعة في تلك القرية انتهى.
وفي الطراز المذهب في أحوال زينب يقول الذي يظهر من الأخبار ان قبرها بالشام وكذلك الإمام الشعراني في كتابه (لواقح الأنوار في طبقات السادة الأخيار) طبع بولاق قال: توفيت زينب بنت علي بن أبي طالب بدمشق الشام في سنة أربع وسبعين هجرية فعلى هذا يكون عمرها يوم وفاتها سبعاً وستين سنة انتهى.
إن عظمة المزار في مصر ترجع إلى عهد الفاطميين الذين يفتخرون بولائهم لأهل البيت تقوية لمركزهم ثم لتعلق المصريين بآل الرسول (صلوات الله عليه وعلى آله الطيبين الطاهرين) لأقل نسبة صحت أم لم تصح وحتى انك ترى قبوراً مشادة لرقية ولسكينة ولزينب عدة مزارات وهكذا. ولعل من عناية الله بشأن هذه السيدة الطاهرة ان تتعدد مزاراتها إعلاء لقدرها وتخليداً لعظمتها وأخيراً يهدى لها القفص الفضي تقرباً إلى الله بها:
قــــوم لــــهم فضل ومجد باذخ يعرفــــه المشــــــرك والمـوحد
قوم أتــــى في هل أتى مديحهم هل شـــــك فــــي ذلك إلا ملحد
قوم لهم فــــي كل أرض مشهد لا بــــل لهم في كل قلب مشهد