طالب علم  
الجنس : عدد المساهمات : 2695 تاريخ الميلاد : 22/07/1989 تاريخ التسجيل : 29/01/2011 العمر : 35 الموقع : العراق حكمتي المفضلة : مَا أَكْثَرَ الْعِبَرَ وأَقَلَّ الْإِِعْتِبَارَ!
| موضوع: الرؤية بين الصدق والدجل وحكمها الثلاثاء أبريل 17, 2012 3:49 am | |
| ظاهرة الغيبة: عاشت مرحلة الغيبة الصغرى (260هـ) إلى (329هـ) وهذه الحقبة الزمنية لها خصوصيتها فهي حقيقة واقعية خاضتها شريحة من الناس ورواد هذه الفترة هم:
1 _ جملة من أصحاب الإمام الجواد والهادي والعسكري عليهم السلام.
كعلي بن جعفر أبو هاشم داود بن القاسم الجعفري، وقد رأى خمسة من الأئمّة عليهم السلام، وداود بن أبي يزيد النيسابوري، محمّد بن علي بن بلال، عبد الله بن جعفر الحميري، إسحاق بن الربيع الكوفي، أبو القاسم جابر بن يزيد الفارسي، إبراهيم بن عبيد الله بن إبراهيم النيسابوري.
2 _ وجملة من وكلاء الإمام كمحمّد بن أحمد بن جعفر، وجعفر بن سهيل، ومحمّد بن الحسن الصفار، وعبدوس العطار، وسندي بن النيسابوري، وأبي طالب الحسن بن جعفر الفافاء، وأبي البختري.
3 _ نواب الإمام الأربعة: عثمان بن سعيد العمري، محمّد بن عثمان، الحسين بن روح، علي بن محمّد السمري.
4 _ مجموعة من العلماء الفقهاء كالكليني، والصدوق وأبيه.
5 _ مكاتباته عليه السلام ومراسلاته.
6 _ قاعدة جماهيرية تحمل ثقافة الارتباط بالإمام المنصوب والاعتقاد بالأئمّة السابقين ويحملون هوية معينة وانتماءً خاصاً واعتماداً في مجال العمل على طريقة فقهية معينة، فبعد الإمام العسكري إلى من رجعوا.
وسيأتي فيما بعد شيء متمم.
وهذه المجاميع تحمل خصوصيات فكرية وسلوكية تعكس لنا فوائد جمة.
واتفق الجميع أن طريق الاتصال بالإمام هو عن طريق النواب ولم ينعكس لنا من هؤلاء الرغبة في رؤيته عليه السلام بل كان مفروغاً عندهم ذلك، فإذا كانت مسألة الرؤية للإمام في ظرف الغيبة الصغرى كمال ومحبوب فلِمَ زهد الوكلاء والأصحاب والعلماء وأهل الإيمان عن ذلك مع شدة حرصهم على الإتيان بالنوافل، بل قد حفظ لنا التاريخ أنهم طلبوا منه عليه السلام أموراً أخرى، منها: سؤال والد الصدوق من الحسين بن روح أن يسأل مولانا الصاحب عليه السلام أن يدعو الله عز وجل أن يرزقه ولداً ذكراً، أو الأسئلة التي رفعت إليه عليه السلام فقد روى الطوسي في غيبته: (... إلى أن قال: حدّثني جماعة من أهل بلدنا المقيمين كانوا ببغداد في السنة التي خرجت القرامطة... وهي سنة تناثر الكواكب بأن والدي رضي الله عنه كتب إلى الشيخ الحسين بن روح رضي الله عنه يستأذن في الخروج إلى الحج...)(1) الخبر.
وعن الكليني قال: كتب محمّد بن زياد الصيمري يسأل صاحب الزمان كفناً يتيمن بما يكون من عنده(2).
أو طلب الزراري إصلاح أمره مع زوجته أم عبّاس كما في الغيبة، وأما في ما ورد في الروايات من الدعاء: «اللهم أرني الطلعة الرشيدة، والغرة الحميدة، وأكحل ناظري بنظرة مني إليه...» (3) فهو كناية عن التمني في التشرف تحت لواءه والانضمام في مشروعه ولو على سبيل عصر الرجعة، بل لنا أن نقول في تتبعنا ارتباط الأمّة بالقيادة في حل مشاكلها في زمن الأئمّة المعصومين لاسيّما في زمن الجواد والهادي والعسكري عليهم السلام لم يظهر لدينا أنهم كانوا يحبذون اللقاءات المباشرة إنما أنشاؤا في زمانهم أو فعلوا فكرة النيابة والوكالات، وقد عمل الإمامان (الهادي والعسكري) خصوصاً حينما كانا في سامراء على تعميق نظام الوكالة وإن هرم النظام السياسي والاجتماعي والاقتصادي نصب على نظام الوكالة، بل هذا النظام كان معمولاً به أيضاً في زمن الأئمّة السابقين (بسبب الإرهاب السياسي والسجن وانتشار الشيعة في مناطق مختلفة تبتعد عن الأئمّة في الغالب) نعم تكثف وأخذ بعداً جديداً بعد الإعداد للغيبة واحتجاب الأئمّة المتأخرين، روى الطوسي: في رواية محمّد بن عيسى قال: كتب العسكري عليه السلام إلى الموالي ببغداد والمدائن والسواد وما يليها: «قد أقمتُ أبا علي بن راشد مقام علي بن الحسين بن عبد ربه، ومن قبله من وكلائي».
وفي حديث آخر قال: سألته وقلت: من اُعامل وعمّن آخذ وقول من أقبل؟ فقال: «العمري ثقتي فما أدى إليك عني فعني يؤدي وما قال لك عني فعني يقول، فاسمع له وأطع فإنه الثقة المأمون»، قال: وسألت أبا محمّد عن مثل ذلك فقال: «العمري وابنه ثقتان فما أديا إليك عني فعني يؤديان وما قالا لك فعني يقولان، فاسمع لهما وأطعهما فإنهما الثقتان المأمونان».
وفي خبر عبد العزيز بن المهتدي والحسن بن علي بن يقطين جميعاً عن الرضا عليه السلام قال: قلت: لا أكاد أصل إليك أسألك عن كل ما أحتاج إليه من معالم ديني أفيونس بن عبد الرحمن ثقة آخذ عنه ما أحتاج إليه من معالم ديني؟ فقال: «نعم».
وعن عبد العزيز بن المهتدي قال للرضا عليه السلام: إن شقتي بعيدة فلست أصِلُ إليك في كل وقت فآخذ معالم ديني عن يونس مولى آل يقطين؟ قال: «نعم».
وعن علي بن المسيب الهمداني قال: قلت للرضا عليه السلام: شقتي بعيدة فلست أصل إليك في كل وقت فممن آخذ معالم ديني؟ قال: «من زكريا بن آدم القمي المأمون على الدين والدنيا».
وعن إسحاق بن يعقوب قال: سألت محمّد بن عثمان العمري أن يوصل لي كتاباً قد سألت فيه عن مشاكل عليَّ، فورد التوقيع بخط مولانا صاحب الزمان: «أما ما سألت عنه أرشدك الله وثبتك...» إلى أن قال: «وأما الحوادث الواقعة فارجعوا فيها إلى رواة حديثنا».
وعليه لا نسلم أن ظاهرة الرجوع إلى الفقهاء نشأت بعد الغيبة الصغرى بل حسب الرصد العلمي كانت هذه الظاهرة موجودة من الأزمنة السابقة، وكان هذا الأمر مركوزاً في الأذهان بسبب النصوص القرآنية كقوله تعالى: ((فَلَوْ لا نَفَرَ مِنْ كُلِّ فِرْقَةٍ مِنْهُمْ طائِفَةٌ لِيَتَفَقَّهُوا فِي الدِّينِ وَلِيُنْذِرُوا قَوْمَهُمْ إِذا رَجَعُوا إِلَيْهِمْ لَعَلَّهُمْ يَحْذَرُونَ(( وإنما السؤال عن كون الشخص ثقة وهذا إنما يؤكد أن الشيعة لم يرتضوا أصالة التسامح في متابعة الأشخاص، بل التحقيق هو الموجب للخروج عن عهدة التكليف والوصول إلى شاطئ التأمين وإبراء الذمة.
وكيفما كان، فأصل رؤية الإمام في حدّ نفسه كمال كرؤية العالم والكعبة والقرآن والمؤمن إلاّ أنه رؤية الأصل في عصر الغيبة الصغرى لم يعلم أنه كمال (على سبيل القضية الشرطية) وهكذا طلب الرؤية أيضاً لم يصدر من أهل العلم والفضل وأصحاب التقى والنهى والسيرة المتشرعة قائمة على الانضمام تحت لواءه، وما ورد في بعض الأدعية والأعمال الموجبة لرؤية الإمام، فالمقصود حسب الظاهر التشرف في لقاءه نعم قد تحققت الرؤية لبعض الأولياء لا لخصوص الكمال ولم يكن هناك تلازم بأن من تحققت له الرؤية فهو الأفضل، وفرق بين طلب الرؤية وحصول الرؤية، أجل على مبنى من يقول بعدالة الصحابة لمجرد الصحبة يمكن أن يدعي أن الرؤية كيفما كانت فهي كمال.
ثمّ إن المدعي للرؤية الأصل الأوّلي فيه عدم التصديق لاسيّما إذا كان يجر منفعة لصاحبه وذلك بأن يخلق لنفسه طريقة أو منهجاً أو مشروعاً خاصاً، فلا يمكن إثبات حقانية مذهبه بواسطة الرؤية واللقاء به عليه السلام فانكشف بذلك أمور:
1 _ طلب الرؤية في عصر الغيبة ليس كمالاً، وفرقٌ بين الطلب والتحقق الخارجي.
2 _ الأصل الأوّلي عدم قبول مدعي الرؤية إلاّ على سبيل القطع والاطمئنان.
3 _ تقبل الرؤية بعد إقامة الشواهد في حق من لا يقنع بهذه الدعوى ويكون خال عن الغرض، وإنما المهم عنده التأكيد على وجود الإمام.
4 _ مدعي الرؤية مدى دعواه لا تتجاوز القضايا الخارجية الشخصية دون القضايا المصيرية، بل سيرة السلف من الأصحاب على ذلك.
ولو كان أهل البيت عليهم السلام يرتضون هذه الطريقة لأمضوها سيّما أنها تعد قضية مركزية وجوهرية، بل الأمر بالعكس فقد تم تنشيط ظاهرة الوكالات العامة، وقد ورد التكذيب في مدعي الرؤية بهذا السنخ، فقد ورد: «سيأتي إلى شيعتي من يدعي المشاهدة ألا فمن ادعى المشاهدة قبل خروج السفياني والصيحة فهو كذاب مفتر».
5 _ لا ريب أن المذهب له علة مبقية، وقد صمد هذا المذهب طوال هذه الفترة الطويلة من عصر الغيبة حتّى يومنا ولم يسجل الملف التاريخي أن سبب هذا البقاء هم دعاة الرؤية، بل المسجل أن المذهب تواصل على سواعد الكليني والطوسي والمرتضى والعلامة والشهيد وآخرين غيرهم.
6 _ هناك إطباق قولي وعملي على عدم الاعتناء لمدعي الرؤية، وهذا الاجماع يكشف أن الموقف العملي الدقيق هو ذلك.
7 _ لو تم هذا الأسلوب في تحديد المسائل المهمة للزم الهرج والمرج لأن المدعين كثيرون وهم متناقضون، ومن الملفت للانتباه أن جل هؤلاء هم أصحاب تاريخ نكرة بل بعضهم مظلم، والنظر في سلوكية هؤلاء مورد تأمل، بل الشعار الأوّل الذي رُفع عنهم عزل الأمّة عن الفقهاء الذين أكّدنا أنهم هم السبيل الذي اُمضي من قبل أهل البيت عليهم السلام قبل وبعد الغيبة.
8 _ بعد وضوح هذا الأمر خان متابعة الشواذ غير مغتفر ((وَقِفُوهُمْ إِنَّهُمْ مَسْؤُلُونَ)) (4).
9 _ نشر الثقافة المغلوطة في بعض المجتمعات فهي سيل الهلوسة في نفوس السذج فيدعي ويتبع، أو صدور بعض التصرفات غير المدلول عليها شرعاً والموجبة للوهن بالمذهب والطعن في شموخه، وبعبارة الثقافة المنفردة تؤمن لصاحبها حظاً من المعرفة، وقد يحدث أن تؤثر هذه الثقافة بصاحبها إلى مستويات اجتماعية وتوسع من دائرة نفوذه على المستوى الجماهيري باعتبار أن الأمّة تخضع في تركيبتها إلى اعتبارات مختلفة من حيث الوعي والإدراك والمستوى الثقافي فهي تتأثر بكثير من المعطيات من دون الوقوف على خلفياتها وأهدافها وأبعادها، إنما تنساق بشكل عفوي باتجاه الأمور الجاهزة من دون مناقشة وتحليل، فالميزان هو الخضوع لاعتبارات عقلية وقواعد منطقية وأصول البحث العلمي وضوابط تميز الحق من الباطل وإلاّ يلزم غياب الحقيقة وهو منكر فطرة ومنطقاً وقانوناً ووجداناً، فلا بدَّ من (الفلتر) وصمام الأمان، فمقياسها صمودها أمام النقد العلمي وتملكها لمكوناتها العلمية ولا شفاعة للكثرة العددية ولا للواقع الاجتماعي والسياسي، فالعبرة بالكفاءة العلمية المتخصصة والمتمرسة وذات الباع الطويل في التنقيب والتحليل والتجرد عن الأهواء، فالكفاءة هي المحك العلمي والعملي في التمييز لا من يتناوشها عن بعيد بمنأى عن المراقبة والنقد.
الهوامش:
(1) الغيبة للطوسي: 322.
(2) أسندها الطوسي عن الكليني في الغيبة: 398.
(3) المزار للمشهدي: 665؛ المصباح للكفعمي: 551.
(4) الصافات: 24.
| |
|