عدم حجية تلقي غير المعصوم:
بعد أن ثبت انقطاع النيابة الخاصة بالأدلة القطعية, بل ان انقطاع النيابة
الخاصة والسفارة صار من ضروريات مذهب أهل البيت عليهم السلام, يتضح بطلان
ما قد يتوهمه جملة من دعوات المتوهمين وبعض الادعاءات والتخيلات من أنه
نائب خاص للامام أو سفير له أو يتوهم ويتخيل ذلك لغيره من المدعين ونحو ذلك
من الرؤى في المنام أو مشاهدة بعض الأفعال الخارقة بدعوى أنها معاجز, أو أي
دعوى للارتباط والاتصال بالغيب, فهي باطلة بمقتضى الأدلة التي قامت على ذلك
في محلها اذ أن تحكيم الحجة الأضعف في مرتبة الأقوى هو ظنٌ وزيغ وتحكيمٌ
للمتشابه على المحكم واليقيني, فانّقطاع السفارة ثبت بالأدلة القطعية بل
صار من الضروري, فلا يعارض ذلك توهمات المتوهمين بوجود بعض الأدلة على
نيابة أو سفارة أي كان, فإنّ المشاهدات وبعض الأفعال الغريبة لا تداني
الأدلة القطعية وأنها أدلة في مرتبة دانية وضعيفة بالنسبة لأدلة انقطاع
السفارة.
وهو نظير ما مرَّ من تفنيد القرآن وذمه النصارى واليهود لاستنادهم إلى الحس
لحكمهم بقتل وصلب النبي عيسى عليه السلام إذ بينا أن وجه الحكم بالبطلان
وذم القرآن لهم مع أن الحس دليل يقيني, هو أن الحس دليل يقيني في نفسه أو
بالقياس لما دونه أما بالقياس لما هو أعلى منه كاخبارات النبي الاعجازية,
فيكون ظناً وتحكيماً للمتشابه على المحكم, فإنّ كشف الدليل الأقوى أثبت
وأبين من الدليل الاضعف, فبالتالي ما يترآى من الدليل الأضعف يكون وهماً
وظناً وليس بيقين وتشابه وشبهة وهو اصطلاح قرآني خاص كما بيّنا.
لذا فإنّ تلك الأدلة القطعية واليقينية لانقطاع السفارة لا تضاهيها ولا
تناهضها أدلة المُدعين بل لا يوجد أي احتمال لصحة أدلة المُدعين.
فمن الغريب أن بعض الباحثين بدعوى البحث الموضوعي يقول لابد من الفحص في
أدلة المدعين للنيابة الخاصة أو السفارة والتثبت من صدقها أو كذبها, وهذا
الكلام وإن كان منطقياً بشكل عام كميزان وضابطة في التثبت والبحث لكنه ليس
بصحيح وليس بمنطقي إذا كانت تلك الأدلة المُدّعاة في قبال أدلة يقينية
عالية, فليس من الصحيح ولا من المنطقي أساساً البحث في أدلة مُدّعي النيابة
الخاصة بعدما ثبت انقطاعها بالأدلة اليقينية العالية.
فمثلاً بعد أن ثبتت عقيدة التوحيد بالأدلة اليقينية العالية فلو ادعى مدعي
أن هناك إلهاً آخر وذكر بعض الأدلة فهل من المنطقي البحث والتثبت من تلك
الأدلة بدعوى احتمال تماميتها وصدقها؟!!!
بل إن من يتوهم ذلك هو مريض أو متمارض في الادراك فلا
ريب ولا شك في عدم موضوعية هكذا بحث, وأن من يحتمل صحة البحث فيه فليس
بسليم العقل إذ أن التردد والريب في هكذا اعتقادات ثبتت بالأدلة القطعية
اليقينية كما قال تعالى: ((إِنَّما يَسْتَإذنكَ الَّذينَ لا يُؤْمِنُونَ
بِاللَّهِ وَ الْيَوْمِ الْآخِرِ وَ ارْتابَتْ قُلُوبُهُمْ فَهُمْ في
رَيْبِهِمْ يَتَرَدَّدُونَ))(1)
فإنّ التردد في الريب والاسترابة حالة مرضية في الادراك والعقل فليس من
المعقول الاعتداد بالسفاسف والتفاهات واعتبارها أدلة في مواجهة أدلة يقينية
قوية شديدة.
فمن التوصيات المنطقية ما جاء في وصية أمير المؤمنين
عليه السلام في نهج البلاغة (إذا استيقنت فامض على يقينك)(2),
وهكذا الكثير من الروايات التي دعت إلى الاعتماد والاعتداد باليقين والسير
عليه حتى لو كان في قباله شك أو ريب إذ ما دام الانسان استثبت من اليقين
ومن مناشئه فعليه السير دون الاعتداد بالتشكيك, فمن تلك الروايات (لا تنقض
اليقين بالشك)(3)
نعم قبل الاستثبات من اليقين فإنّ البحث والفحص منطقي ومعقول جداً لئلا
يبقى متردداً في البيان والبرهان فيكون كمن يعشو في سيره, لذا لابد من
الالتفات إلى جميع الاحتمالات لاثبات الصحيح والمنطقي فيها ليصل للبرهان
اليقيني ويتثبت فيه ليسير عليه, أما إذا استيقن الانسان فلابد من المضي على
ذلك اليقين وعدم نقضه بشكٍ فقوله (لا تنقض اليقين بالشك)(4)
يعني الشك الذي ليس له منشأ علمي يناهض ويقاوم اليقين ولايساعد على رفع
اليد عن الأدلة السابقة اليقينية, وإلا فإنّ رفع اليد عن اليقين والبحث في
أدلةٍ ضعيفة وهمية ليس حالة فحص علمي سليم سديد, بل مرض في العقل والادراك
فهو لا يبصر البراهين اليقينية بما أعطاه الله من قدرة الادراك وفطرة
الركون لليقين, فهو كمن لا يستنير ولا يستصبح بالنور, بل دوماً يسير في
جانب الظلمة تاركاً النور فهي حالة مرضية لعدم استثماره البصر وعدم
استعانته بالنور.
فمع وجود الأدلة اليقينية على انقطاع النيابة الخاصة والسفارة في عقيدة
الغيبة لا معنى للريب والشك ولا معنى لاحتمال صحة التوهمات والهلوسات كأدلة
للمدعين بها.
كما أنّا لو تنزلنا ونظرنا في مناشيء تلك المُدعيات كالرؤية أو الأفعال
الغريبة ووو... نجد أنها في نفسها ليست بحجة فضلاً عن مناهضتها للأدلة
اليقينية.
وبعبارة أخرى لنا معالجتان لهذه الدعاوى:
الاولى: أنها لو كانت حجة فهي أضعف من أن تناهض البراهين اليقينية المثبتة
لانقطاع السفارة.
والمعالجة الثانية: أن تلك الأدلة في نفسها ليست بحجة
لأن مناشيء تلك المدعيات من قبيل الرؤية والعلم اللدني والاطلاع على الغيب
من قناةٍ ما لا يكون ذلك صحيحاً وتاماً ومُعتبراً إلا للأنبياء والأوصياء,
فإنّ الوحي عبارة عن قناة روحية تربط وتوصل وتنفتح على الغيب, واما العلم
اللُدني فلا يكون إلا عند الأنبياء والأوصياء, أما بقية البشر من غير
المعصومين فليس لهم طريق مضمون للغيب يرتبطون وينفتحون ويتصلون به عليه,
فقد ذكر القرآن أن سبب انكار الامم هو أن كل رجلٍ منهم يريد أن تتنزل عليه
صحف مُنشّرة, وبالتالي فكلٌ منهم يريد أن يكون نبياً ليكون منفتحاً على
الغيب فيطمئن به, قال تعالى: ((بَلْ يُريدُ كُلُّ امرِئٍ مِنْهُمْ أَنْ
يُؤْتى صُحُفاً مُنَشَّرَةً))(5).
ولكن واقع الحال عدم وجود القابلية لأي شخصٍ أن يكون نبياً أو إماماً أو
لديه ارتباط بالغيب, فإنّ ذلك تابع لمدى القوة الروحية والاستعداد الروحي
للانكشاف على الغيب, فإنّ أرواحنا لا شك ولا ريب متصلة بعوالم أخرى ولنا
قنوات توصلنا إلى الغيب ولا شك في ذلك, ولكن الكلام كل الكلام في أنا كيف
نطمئن على أن هذا الاتصال والارتباط بتلك العوالم وما تصلنا من معلومات من
ذلك الغيب كيف نطمئن على صحتها؟ وأنها عن إرادة الله وقضاءه وقدره
ومشيئته؟.
فإنّ كل ما نستلمه من خواطر وإلهامات وتخيلات وصور منامية أو صور في
اليقظة ومكاشفات وسلوكيات وغيرها ليس لها أي ضمانة في الصواب والسداد, وليس
لها أي مدار في الحجية, أي لا اطمئنان على صحتها, لأنها تلقي غير المعصوم
من قبل المعصوم, فإنّ التلقي والارتباط بالغيب ليس فيه زللٌ ولا خللٌ ولا
خطل ولا أي احتمال الانحراف إذا كان تلقي معصوم من معصوم, فحينئذٍ يكون
التلقي معصوماً, كما هو الحال في تلقي المعصومين عليهم السلام لذا كان
تلقيهم حجة, واعتبر هو منبع الشريعة الوحيد .
أما تلقي غير المعصوم فهو وإن كان من المعصوم لكن ما الدليل على أن ذلك
المُلقى صحيحاً وليس من أفاعيل الشياطين؟!.
فإنّ الشياطين تنفث في النفوس ويتخيل أن ذلك من الله تعالى ولا قدرة لتمييز
ذلك إلا للأنفس الطاهرة المطهرة, فإنّ غير المعصوم من سائر الناس ليس له حظ
من الرؤيا الالهية ونحوها للاحكام الشرعية وإن توهم ذلك متوهم فليستيقن بأن
ذلك من الشياطين فقد أشار القران الكريم إلى عدة من أفعال الشياطين التي
تقع على العباد منها:
قال تعالى: ((وَ قُلْ رَبِّ أَعُوذُ بِكَ مِنْ هَمَزاتِ
الشَّياطينِ))(6).
وقال تعالى:
))
هَلْ أُنَبِّئُكُمْ عَلى مَنْ تَنَزَّلُ الشَّياطينُ
.تَنَزَّلُ
عَلى كُلِّ أَفَّاكٍ أَثيمٍ))(7).
وقال تعالى: ((كَالَّذِي اسْتَهْوَتْهُ الشَّياطينُ فِي
الْأَرْضِ حَيْرانَ))(8).
وقال تعالى: ((وَ اما يَنْزَغَنَّكَ مِنَ الشَّيْطانِ
نَزْغٌ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ إِنَّهُ سَميعٌ عَليمٌ))(9).
وقال تعالى: ((إِنَّ الَّذينَ اتَّقَوْا إِذا مَسَّهُمْ
طائِفٌ مِنَ الشَّيْطانِ تَذَكَّرُوا فَإِذا هُمْ مُبْصِرُونَ))(10).
وقالى تعالى: ((الَمْ تَرَ أَنَّا أَرْسَلْنَا
الشَّياطينَ عَلَى الْكافِرينَ تَؤُزُّهُمْ أَزًّا))(11).
وقال تعالى: ((لِيَجْعَلَ ما يُلْقِي الشَّيْطانُ
فِتْنَةً لِلَّذينَ في قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ وَ الْقاسِيَةِ قُلُوبُهُمْ وَ
إِنَّ الظَّالِمينَ لَفي شِقاقٍ بَعيدٍ))(12).
وقال تعالى: ((وَ إِنَّ الشَّياطينَ لَيُوحُونَ إِلى
أَوْلِيائِهِمْ لِيُجادِلُوكُمْ وَ إِنْ أَطَعْتُمُوهُمْ إِنَّكُمْ
لَمُشْرِكُونَ))(13).
وغيرها من الآيات التي تبين أن الشياطين يوحون وبطرق
مختلفة كالخواطر والميول والرؤى و.... للنفوس المريضة والضعيفة والتي على
طريق الزيغ, وعن الباقر عليه السلام قال: (لما ترون من بعثه الله عز وجل
للشقاء على أهل الضلالة من أجناد الشياطين وأرواحهم أكثر مما ترون مع خليفة
الله الذي بعثه للعدل والصواب للملائكة قيل: يا أبا جعفر وكيف يكون شيء
أكثر من الملائكة؟ قال: كما يشاء الله عز وجل, قال السائل: يا أبا جعفر إني
لو حدثت بعض أصحابنا الشيعة بهذا الحديث لأنكروه, قال: كيف ينكرونه؟ قال:
يقولون إن الملائكة أكثر من الشياطين, قال: صدقت, افهم عنّي ما أقول لك,
إنه ليس من يوم ولا ليلة إلا وجميع الجن والشياطين تزور أئمة الضلالة,
وتزور أئمة الهدى عددهم من الملائكة, حتى إذا أتت ليلة القدر فيهبط فيها من
الملائكة إلى ولي الامر قيض الله عز وجل من الشياطين بعددهم ثم زاروا ولي
الضلالة فأتوه بالإفك والكذب حتى لعله يصبح فيقول رأيت كذا وكذا, فلو سئل
ولي الامر عن ذلك لقال رأيت شيطاناً أخبرك بكذا وكذا حتى يفسر له تفسيراً
ويعلمه الضلالة التي هو عليها)(14).
فبعد كل ذلك, أي مجال يبقى للاطمئنان لرؤى ومكاشفات غير المعصوم الذي لا
يميز نفث الشياطين من عالم الغيب الحق.
لذلك فإنّ مكاشفة المكاشفين والعرفاء والصوفية من
إلهامات وخواطر ليست ذا مدار وضابطة في الحجية فإنّ كثيراً من أصحاب السير
والسلوك والتصوف والرياضات يقعون في إنحرافات وأخطاء نتيجة تعويلهم على ما
يتلقونه من خواطر والهامات ومكاشفات, فإنّ نفس الصوفية والعرفاء ذكروا ذلك
مثلاً القيصري في شرح كتاب ابن عربي وكذلك الغزالي وابن عربي نفسه وغيرهم
ذكروا بأن مكاشفات غير المعصوم ليست بمعصومة, فلابد أن توزن وتعرض على محك
كشف المعصوم وهو القرآن والسنة(15)
لأن القرآن والسنة هو تلقي المعصوم عن الله تعالى وعن الغيب, ولا ريب ولا
شك في عصمة هذا التلقي والمتلقى, لأن قدرة المعصوم معصومة وغير محدودة في
تلقيها عن الغيب كما يصف القرآن الكريم ذلك, قال تعالى: ((وَ لا رَطْبٍ وَ
لا يابِسٍ إِلاَّ في كِتابٍ مُبينٍ))(16)
بيان لأحاطة المعصوم.
وبعبارة أخرى بمثال حسّي إن درجة استقبال وتلقي المعصوم
كالرادار في الكشف وغير المعصوم كالمايكروفونات البسيطة, فللمعصوم روح
واسعة محيطة فيها استعداد الكشف والابصار القلبي لكل زوايا العرش والكرسي
والسماوات وجهنم والصراط والميزان والبرزخ والموت وتطاير الكتب والحور
والملائكة, فإنّ أرواح المعصومين ليس كأرواحنا إذ لها قدرة الاطلاع على
عوالم أخرى دون أن تضعف أو تتردد, كما روي عن أمير المؤمنين عليه السلام
حيث يقول: (لو كشف لي الغطاء ما ازددت يقيناً)(17)
أي انه مطلع على تلك العوالم غير عالم الدنيا فلا يؤثر على اعتقاده وروحه
إذا كشف له الغطاء, وليس كبقية البشر الذين لم يطلعوا على شيء من تلك
العوالم, وأن الله لم يطلعهم على شيء منها لضعف نفوسهم وأرواحهم.
وفي رواية أخرى أن شخصاً كان يسير مع الإمام الصادق عليه السلام فمروا
بمقبرة بين مكة والمدينة فسأل الشخص الإمام عليه السلام عن حالهم فقال
الصادق عليه السلام: (عن عبد الله بن بكير الأرجاني، قال: صحبت أبا عبد
الله عليه السلام في طريق مكة من المدينة، فنزلنا منزلاً يقال له: عسفان،
ثم مررنا بجبل أسود عن يسار الطريق موحش، فقلت له: يا ابن رسول الله, ما
أوحش هذا الجبل ما رأيت في الطريق مثل هذا، فقال لي: يا بن بكير أتدري أي
جبل هذا، قلت: لا، قال: هذا جبل يقال له الكمد، وهو على واد من أودية جهنم،
وفيه قتلة أبي الحسين عليه السلام، أستودعهم فيه، تجري من تحتهم مياه جهنم
من الغسلين والصديد والحميم، وما يخرج من جب الجوى، إلى ان يقول:...
قلت له: جعلت فداك فأنت تسمع ذا كله ولا تفزع، قال: يا بن بكير إن قلوبنا
غير قلوب الناس، إنا مطيعون مصفون مصطفون، نرى ما لا يرى الناس ونسمع ما لا
يسمعون، وإن الملائكة تنزل علينا في رحالنا وتتقلب في فرشنا، وتشهد طعامنا،
وتحضر موتانا، وتأتينا بأخبار ما يحدث قبل أن يكون، وتصلي معنا وتدعو لنا،
وتلقي علينا أجنحتها، وتتقلب على أجنحتها صبياننا، وتمنع الدواب أن تصل
إلينا، وتأتينا مما في الأرضين من كل نبات في زمانه، وتسقينا من ماء كل أرض
نجد ذلك في آنيتنا.
وما من يوم ولا ساعة ولا وقت صلاة إلا وهي نبهنا لها،
وما من ليلة تأتي علينا إلا وأخبار كل أرض عندنا وما يحدث فيها، وأخبار
الجن وأخبار أهل الهوى من الملائكة، وما من ملك يموت في الأرض ويقوم غيره
إلا أتانا خبره، وكيف سيرته في الذين قبله، وما من أرض من ستة أرضين إلى
السابعة إلا ونحن نؤتي بخبرهم)(18)
يعني نحن غير المعصومين لو سمعنا ذلك لصعقنا ولما بقيت أرواحنا في أجسامنا,
أي متنا لعدم إمكان تحمل ذلك أما المعصومون عليهم السلام فلهم القدرة على
أن يروا تلك العوالم.
وإن قابليات غير المعصومين الروحية أيضاً تختلف في
قوتها واستعدادها للاطلاع على العوالم الأخرى والأسرار كما في الفرق بين
سلمان وأبي ذر حيث ورد (لو علم أبو ذر بما في قلب سلمان لكفره أو لقتله)(19)
أي ان أبا ذر لا يتحمل ما يتحمله سلمان من علوم وأسرار, وهكذا فإنّ أعلى
حالات النفوس القوية موجودة عند المعصوين عليهم السلام فلهم عدسة قوية
دقيقة لا يخفى عليها شيء, في حين أن القرآن يصف الشياطين أو الجن بقوله
تعالى: ((لا يَسَّمَّعُونَ إِلَى الْمَلَإِ الْأَعْلى وَ يُقْذَفُونَ مِنْ
كُلِّ جانِبٍ*دُحُوراً وَ لَهُمْ عَذابٌ واصِبٌ *إِلاَّ مَنْ خَطِفَ
الْخَطْفَةَ فَأَتْبَعَهُ شِهابٌ ثاقِبٌ))(20)
فللشياطين والعفاريت قوة كشف أيضاً ولكنها لا تُقاس بقوة كشف المعصوم إنما
هي حاصلة من خطفة بسيطة أي قبسة فإنّ غير المعصوم حتى لو كانت عنده خواطر
وتمثلات وانكشافات ويرى ما لا يراه الناس, فما الكاشف له أن تلك الرؤى
والخواطر والغيبيات أنها من الله تعالى أم من الشياطين والعفاريت؟, فإنّ
بعض الرؤى والانكشافات قد تصدق لأنه هناك خطفة من الغيب ولكن الخطفة شيء
والوحي النبوي شيء آخر, فكثير من عموم الناس وآحادهم إما يغتر أو يُغرر به
أنه انكشف له شيء وعلم أموراً غريبة فيرى أن تلك الانكشافات انكشافاتٌ
بوحيٍ أو علم لدني أو أو ...الخ, لكنه لا يُميّز أن الموصل اليه هل هو
الشيطان أم جبرائيل أم أسرافيل أم ميكائيل...؟ لأن روحه ليس فيها استعداد
التلقي, فإنّ نفوس غير المعصوم لم تطلع على تلك العلوم والمباحث, فبمجرد
اتصاله بقناةٍ غيبية يرتبك وتضطرب عنده الموازين, فلعله نتيجة ذلك تكون
لديه شريعة جديدة وعقيدة جديدة وبعثة جديدة.
فإنّ التعامل مع الانكشاف الغيبي مختلف حتى بالنسبة
للمعصومين بحسب مراتبهم وقوة وشدة استعدادهم للتعامل مع تلك الغيبيات ودقة
موازينهم في التثبت والتعامل مع ما يلقى اليهم, فإنّ الدنيا بأكملها بما
لها من جمال تمثّلت لعلي بن أبي طالب عليه السلام وأنه قال لها (اليك عني
قد طلقتك ثلاثاً)(21)
فإنّه سلام الله عليه التفت اليها وحدّثها فرفضها وطلقها أي لم يغتر بها
مطلقاً, ولكن الدنيا عندما تمثلت للرسول صلى الله عليه وآله فإنّ للرسول
صلى الله عليه وآله مشهد أعظم من مشهد علي بن أبي طالب, فإنّه لما نادته لم
يخاطبها أصلاً ولم يلتفت اليها كما في روايات المعراج.
فإنّ نفوس المعصومين على عظمتها وقوتها لهم مواقف مختلفة في التعامل مع
الغيبيات, فرغم علمهم بالغيب فإنّ تعاملهم معه يختلف بحسب اختلاف أرواحهم
ونفوسهم, فإنّ أرواحهم لما لها من الاستعداد فإنّها ترقى وتعرج إلى عوالم
أخرى غيبية مهولة دون أي ارتباك ولا أي اضطراب لأنها نفوسٌ عظيمة معدّة
للوحي والنبوة والانكشاف على الغيب, أما غير المعصوم من نفوس البشر الأخرى
فبمجرد اختلاف المشاهد تضطرب عنده الموازين فقد لا يحتاج غير المعصوم
لانزلاقه أكثر من إثارة بسيطة وجمالٍ خداع ولو كان زائفاً, إذ لا يستطيع
التثبت أمام هذه الاثارات البسيطة, فما بالك لو تمثلت له الدنيا بجمالها
وقالت له: أنا الدنيا فهل يبقى على تثبته وتمييزه ويقول اليها اليك عني أم
ماذا؟!!!
فإنّ غير المعصوم لعدم استعداده وعدم قوة نفسه بل لضعف نفوس غير المعصومين
فبمجرد اختلاف المشاهد يحصل الهلع والجزع والفزع والرعب والاضطراب, ففي تلك
الحالة إذا ألقي له شيء من الغيب هل له أن يميّزه أنه من الله أم من
الشيطان؟, فإنّه قد تظافرت الروايات في أن الرؤى سواء كانت رؤى في المنام
أم في اليقظة أم غيرها منها ما هو حديث الشيطان وإفكه وتنزيله, ومنها ما هو
حديث النفس ومنها ما يكون رؤى صادقة سواء كانت في اليقظة ام في المنام.
أما ما هو حديث الشيطان فإنّ الشيطان يلقي لأوليائه
الافك والاثم قال تعالى: ((وَ إِنَّ الشَّياطينَ لَيُوحُونَ إِلى
أَوْلِيائِهِمْ))(22)
وقال تعالى: ((هَلْ أُنَبِّئُكُمْ عَلى مَنْ تَنَزَّلُ الشَّياطينُ
*تَنَزَّلُ عَلى كُلِّ أَفَّاكٍ
أَثيمٍ))(23)
فإنّ الشياطين يلقون لاوليائهم الافك والاثم.
وأما حديث النفس فإنّ النفس بما أودعت من قوى وغرائز فهي كأنما ذوات متعددة
وليست ذات واحدة, فالنفس البشرية بسبب ما جهزت به من غرائز وقوى فكأنما كل
قوة هي ذات من الذوات و جوهر من الجواهر وهذه النفس إذا طاشت أو جمحت تسول
للانسان من تساويل ورؤى حتى في اليقظة, والانسان لخلوه من قدرة التمييز
يحسب ذلك من الغيب وكشف الستور في حين أنها من الاعيب النفس الأنسانية.
وأما الرؤى الصادقة فهي وإن كانت ممكنة وقد تحصل سواء
في المنام أم في اليقظة لكنها إضاءة ضيقة جزئية محدودة لا يمكن التعويل
عليها, لان الصدق له مراتب, فصدق المعصوم كالمحيطات أما غير المعصوم فضعيف
يتبدد بأدنى شيء, لذا ورد في القرآن الكريم ((وَ مَنْ أَصْدَقُ مِنَ
اللَّهِ قيلاً))(24)
فأصدقية الله تعالى لا تضاهيها أي مصداقية لانه يحيط بكل الواقعيات وكل
المخلوقات, أما نحن فاحاطتنا صغيرة إذ نحن لا نحيط حتى بكيفية ولادتنا
ونشأتنا وإنا من أين جئنا والى أين نتجه حتى لو كنا صادقين وعدولاً,
فأحاطتنا ضعيفة قليلة فكيف ندعي علمنا بالاطلاع على ذلك؟
أما إحاطة المعصوم فواسعة فإنّهم هم الصديقون بعد الله
تعالى بل ان الائمة عليهم السلام هم كبراء الصديقين, كما في بعض الزيارات(25)
يعني يحيطون بالكتاب المبين واللوح المحفوظ والقرآن نفسه شهد لهم بالطهارة
ثم شهد لهم بانهم هم الذين يدركون ويفهمون القرآن قال تعالى: ((إِنَّهُ
لَقُرْآنٌ كَريمٌ *في
كِتابٍ مَكْنُونٍ
*لا
يَمَسُّهُ إِلاَّ الْمُطَهَّرُونَ))(26)
ثم قال تعالى: ((إِنَّما يُريدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أهل
الْبَيْتِ وَ يُطَهِّرَكُمْ تَطْهيراً))(27).
لذا فلا اعتداد ولا اعتبار بتلقي غير المعصوم وليس له أي مدار في الحجية
لعدم الاطمئنان بكونه تلقياً صادقاً اذ هم أنفسهم يخطيء بعضهم بعضاً, فكم
من الصوفية والعرفاء وحتى أصحاب السير والسلوك وحتى أصحاب الرياضات نجد
بينهم تضارباً لا ينتهي ولا يرتفع فكل منهم يخطيء الآخر لانهم غير معصومين.
وبمثال حسي لتضارب الأقوال عن الغيب كما يقال إن أشخاصاً وجدوا فيلاً في
ظلام فاعتمدوا على اللمس في تشخيصه فلمس أحدهم ذنبه فقال إنه مخلوق صغير,
ولمس بعضهم خرطومه فقال إنه متوسط, وآخر لمس رجله فقال إنه مخلوق كبير,
ولمس الآخر بطنه فقال إنه عظيم بل إنه سينفجر.....
وما ذلك إلا لعدم الاطلاع والكشف التام وإنما اعتمد كل منهم على ما انكشف
له واطلع عليه من طريق ضيق وحكم بموجبه حكماً عاماً.
فهكذا غير المعصوم وأصحاب النفوس الضيقة و... فإنّهم إن حصل لهم كشف للغيب
فهو كشف ناقص لا يصلح ليكون حكماً صادقاً حقاً يعتمد عليه ويطمئن له.
أما المعصوم فله الاحاطة التامة والانكشاف التام, فمثلاً كأنه يرى ذلك
المخلوق بتمامه, يرى ذلك المخلوق فيحكم بأنه فيل على ما هو في الحقيقة لأنه
مطلع على تمام حجمه لأنه يراه ببصيرته بل يكون له نور يكشف له فيرى ببصره
لان كشف ورؤية المعصوم فيها إحاطة قال تعالى: ((إِنَّهُ لَقُرْآنٌ كَريمٌ*في
كِتابٍ مَكْنُونٍ
*لا
يَمَسُّهُ إِلاَّ الْمُطَهَّرُونَ))(28)
و ((وَ ما مِنْ غائِبَةٍ فِي السَّماءِ وَ الْأَرْضِ إِلاَّ في كِتابٍ
مُبينٍ))(29)
و ((وَ ما يَعْلَمُ تَأْويلَهُ إِلاَّ اللَّهُ وَ الرَّاسِخُونَ فِي
الْعِلْمِ))(30).
لا مثل غيره يعيش في ظلمة وكدورات النفس ويريد الاطلاع وإيجاد قناة غيبية.
ومن العجيب أن غير المعصوم يدعي التلقي والكشف ويحاول
اتباع ما تلقاه مع علمه بضعف نفسه وعدم استعدادها ويترك تلقي المعصوم فأي
قناعة له أو لمن يتبعه بترك تلقي المعصوم واتباع ما عنده من هلوسات أو
خواطر أو رؤى منامية لا اطمئنان بصحتها فعندنا القرآن والسنة التي هي كشف
حقاني لأنها وصلت الينا بتلقي المعصوم عن المعصوم فلا حاجة حينئذٍ للاعتماد
على تلقي غير المعصوم وإن توهم وارتسم له أنه عن المعصوم فإنّ المشكلة في
المتلقى (الرادار أو اللاقطة أو الساحب) فهل لديه نفس قوية ترى الملقى اليه
على ما هو عليه ام نفسه ضعيفة لا استعداد لها فتقلبه وتزيفه لذلك تكرر في
القرآن قوله تعالى: ((وَ بِالْحَقِّ أَنْزَلْناهُ وَ بِالْحَقِّ نَزَلَ وَ
ما أَرْسَلْناكَ إِلاَّ مُبَشِّراً وَ نَذيراً))(31)
أي ما أنزل من الغيب وكشف هو في نفسه حقٌ وجاء ونزل في طريقٍ حقاني غير
مشوب بعبث الشياطين وكدورات النفوس الضعيفة وضيق وتلوث أوعية الاستقبال,
فهو نظير المرآة فهناك نوع منها سليمة صحيحة غير مشوبة تعكس الصور على ما
هي عليها كنفوس المعصومين مثلاً, في حين هناك نوع آخر من المرايا مشوب وليس
منتظماً فتعكس الصور بشكل مقلوب أو تضخمها وتكبرها أو تضعفها وتصغرها أو
تعطيها ألواناً أخرى بل أحياناً بعض الصور تمسخ عن حقيقتها أصلاً فتري صورة
الانسان كأنه جني وقد تظهر القبيح جميلاً, كما قد تظهر الجميل قبيحاً.
فهكذا نفوس البشر قد ترى الغيب كهذه المرآة فإنّ الغيب واحدٌ بالنسبة
للمعصوم ولغير المعصوم, ولكن الكلام في المستقبل إذ لا ضمان لأن تكون تلك
النفوس ترى الغيب على ما هي عليه, هذا لو كان الملقى صادقاً فتكون المشكلة
في المتلقي, أما إذا كان التلقي من إيحاء الشياطين فكما أن أولياء الله
تتنزل عليهم أنوار آلهية فإنّ أولياء الشياطين تتنزل عليهم الآثام والافك,
فإنّ الاثم في نفسه كذبٌ فأولياء الشياطين يحسبون ما القي لهم ملائكة ورسل
غيب من الله في حين أنها شياطين, إذ ليس له قدرة التمييز والتفريق بين
إيحاءات الشياطين وبين الأنوار الالهية.
لذلك فإنّ علماء الرؤية يقولون كلما ازداد الانسان
صدقاً في قوله وتعبيره وأمانته ووفائه وسلوكه وتعاملاته وتوجهاته لله وقربه
للحق والحقيقة فإنّه يرى الرؤى الصادقة, وكلما زل لسانه وارتكب المعاصي
وابتعد من طريق الحق والحقيقة وابتعد عن الله رأى اموراً خاطئة وباطلة, أما
المعصوم فحيث إنه لا يرتكب أي معصية وأي ذنب فإنّه لا يرى إلا الرؤى
الصادقة, لذا تكون مرآته صافية جلية ويرى الأمور على ما هي عليه, من هنا
كانت رؤى الأنبياء رؤى صادقة وحيانية كقوله تعالى: ((وَ نادَيْناهُ أَنْ يا
إِبْراهيمُ*قَدْ صَدَّقْتَ الرُّؤْيا إِنَّا كَذلِكَ نَجْزِي
الْمُحْسِنينَ))(32)
بالنسبة لرؤية النبي إبراهيم عليه السلام وكقوله تعالى: ((وَ ما جَعَلْنَا
الرُّؤْيَا الَّتي أَرَيْناكَ إِلاَّ فِتْنَةً لِلنَّاسِ))(33)
بالنسبة للنبي محمد صلى الله عليه وآله.
وعليه فإنّ رؤيا الأنبياء والأوصياء حجة لأنهم بلغوا من الصدق مقاماً
عالياً جداً ولما لم يكن عندهم أي إثم ولا افك فلا تتنزل عليهم الشياطين
ولا تكون قنوات كشفهم عن الغيب إلا قنوات سليمة صحيحة يرون من خلالها الحق
فقط.
أما غير المعصوم فمهما يكن من الاستقامة لا يؤمن كشفه حتى العادل لا يمكن
الاطمئنان لقناته الغيبية إذ العدالة غير العصمة فإنّ العدالة وإن كانت هي
الاستقامة على جادة الشريعة وعدم ارتكاب المعاصي إلا أن ذلك لا يعني عدم
ارتكاب المعاصي والأخطاء من دون شعور وبالتالي فإنّ ذلك يكدر نفسه وروحه من
حيث لا يشعر حتى لو لم تسجل عليه عقوبة فإنّه يعذر عن العقوبة لعدم علمه أي
لجهله بذلك الفعل انه يسبب غضب الله والكدورات النفسية ولكن ذلك لا يمنع من
تكدر وتلوث النفس بتلك الأعمال وبالتالي لا تكون قناته للغيب سليمة صافية.
فلابد للانسان غير المعصوم أن لا يغتر ولا ينخدع ببعض الانكشافات والرؤى
فيعتبرها غيباً ما بعده غيب ووحياً ليس فوقه وحي, وأنه صار نبياً أو نحو
ذلك, ويتأول الضروريات والحقائق الدينية والتمرد عليها.
فقد يكون للانسان شيء من التقوى فيحسب أن تقواه وورعه سبب انكشاف الغيب له
فيؤمن به ولكنه ليس صحيحاً فإنّ تلك لو كانت تقوى وورع لاتبع القرآن الكريم
والسنة لانها تلقي معصوم عن معصوم, فهي كشف صادق وحق لا ريب فيه في حين أن
ما تلقاه غير المعصوم هو تلقي لا يؤمن ان يكون من الشيطان أو الجن أو
العفاريت... فلا ضمانة فيه.
فليس من العقل ولا من المنطق ترك ما هو برهاني ويقيني وهو كتاب الله الذي
لا يغادر كبيرة ولا صغيرة واتباع مكاشفة أو رؤيا أو نحو ذلك يحتمل أنها
صادقة.
فلا نمني أنفسنا بمقامات المعصومين من الأنبياء والأوصياء فتسول لنا أنفسنا
أن تنفتح لنا قنوات الغيب ولا نتوهم ذلك لغير المعصومين عليهم السلام فاين
نحن من سيد الأنبياء وأين نحن من سيد الأوصياء وأين نحن من الائمة
المعصومين فإنّ الغيب شاسع مهول ودخوله والتوسط فيه ليس بالامر السهل, فلا
يمكن لغير المصطفين الأخيار الذين اصطفاهم الله تعالى بعلمه ليكونوا هم
القنوات السليمة والحقانية لارتباط جميع المخلوقات بالواحد الأحد الله
سبحانه وتعالى وذلك لما لهم من قوة النفس والاستعداد الحاصل من طهارة النفس
فهم سلام الله عليهم ليس كبقية البشر روحاً بل حتى جسداً فإنّ الرسول
الاعظم صلى الله عليه وآله عرج بجسده فضلاً عن روحه إلى سبع سموات فهو ليس
بالانسان العادي حتى تسول نفوس البعض الانكشاف على الغيب لمجرد أنه اتقى أو
عمل صالحاً أو .... فإنّ لكل ذلك أجراً عند الله وآثاراً حسنة على الروح,
لكن ليس للحد الذي نغتر به وندعي الاتصال بالغيب لأنه حصلت لنا رؤيا أو
مكاشف أو ... فإيانا إيانا أن نقع في حبائل الشيطان, ونغوي أنفسنا ونغوي
الآخرين ونترك الثوابت والبراهين والضروريات مما حصل عن طريق معصوم وهو
القرآن والسنة.
فالقرآن هو البرهان الواضح والمحجة البيضاء وقد أعجز البشر أربعة عشر قرناً
بما ضمن من علوم معجزة ودلائل إعجازية متنوعة ومتكثرة فلا يعقل ولا من
المنطقي ترك هذا الوحي وسنة المعصومين من الأنبياء والأوصياء وأتباع
الهلوسة والمهلوسين والجن والمجننين والشيطان والمتشيطنين سواء كانت من رؤى
أو مكاشفات, وتنويم مغناطيسي أو تحضير أرواح أو تحضير جن أو علوم غريبة
كعلم الجفر أو علم الرمل أو علم التوسم أو علم الحروف أو علم الطلسمات أو
علم العزائم أو علم البيوت أو علم التنجيم أو علم الكيمياء وغيرها من
العلوم التي لا تكون كاملة وتامة الا عند المعصومين أما عند غيرهم فهي
ناقصة منقوصة, فنحن لا ننفي هذه العلوم وقدرتها وإمكانها في إثبات الأشياء
لكنها لا تعطي البرهان القاطع ولا تكشف كشفاً مفيداً للحجية.
نعم قد تكشف لصاحبها بعض الأشياء لكن يجب أن لا يغتر بذلك فليس هو الغيب
ولا الواقع ولا هو كل العوالم فمثلاً فلان كتب بعض القضايا في الجفر أو علم
الحروف أو... أو .... فعلم أن فلاناً سيموت أو سيولد له كذا أو غير ذلك,
لكن ثم ماذا بعد ذلك هل صار بذلك نبياً, هل به علم طريق الجنة وطريق النار
هل صار عنده علم الاولين والآخرين وهل... وهل... .
ماذا يعني هذا في قبال علم المعصومين بما كان وبما يكون وما لهم من الاحاطة
بكل العوالم الغيبية وغيرها لكن للاسف بعض النفوس المريضة والضعيفة تنخدع
وتغتر بذلك فيهتمون بمثل هذه السفاسف ويتركون ما هو خير لهم من ذلك فإنّ
القرآن الكريم والروايات تؤكد أن الصلاة والصوم والحج وزيارة المعصومين
عليهم السلام وغيرها من العبادات لها آثار أعظم مما يتخيل هذا البعض
المنخدع بتلك التفاهات والسفاسف, فليس من العقل ترك تلك العبادات أو على
الاقل عدم الاهتمام بها وإعطاء شيء من الاهتمام لمثل هذه العلوم الغريبة أو
غيرهما بدعوى أنها تكشف لنا الواقع أو تعطينا طريقاً للواقع.
الهوامش:
(1)
- الآية 45 من سورة التوبة.
(2)
- في مصباح
البلاغة مستدرك نهج البلاغة الميرجهاني ج1 ص236 (من كان على يقين
فاصابه ما يشك فليمض على يقينه فإنّ الشك لا يدفع اليقين ولا
ينقضه).
(3)
- الوسائل ج5
ص321, باب 10 من ابواب الخلل,ح3.
(4)
- في وسائل
الشيعة (آل البيت) للحر العاملي الجزء الاول ص247 ابواب نواقض
الوضوء الباب الاول انه لا ينقض الوضوء الا اليقين (636)6_ وفي
الخصال باسناده عن علي عليه السلام في حديث الاربعمائة _ قال: من
كان على يقين فشك فليمض على يقينه, فإنّ الشك لا ينقض اليقين).
(5)
- الآية 52 من سورة المدثر.
(6)
- الاية 97 من سورة المؤمنون.
(7)
- الاية 221و222 من سورة الشعراء.
(8)
- الاية71 من
سورة الانعام.
(9)
- الاية 200 من
سورة الاعراف.
(10)
- الاية 201 من
سورة الاعراف.
(11)
- الآية 83 من
سورة مريم.
(12)
- الآية 53 من سورة الحج.
(13)
- الآية 121 من
سورة الانعام.
(14)
- تفسير
البرهان: ج4, ص485.
(15)
- ذكر الشارح القيصري في شرحه على فصوص الحكم لابن العربي في الفصل
السادس والسابع من الفصول التي ذكرها في المقدمة قال: وكما أن
النوم ينقسم بأضغاث أحلام وغيرها كذلك ما يرى في اليقظة ينقسم إلى
أمور حقيقة محضة واقعة في نفس الأمر وإلى أمور خيالية صرفة لا
حقيقة لها شيطانية وقد يخلطها الشيطان بيسير من الأمور الحقيقة
ليضل الرائي, لذلك يحتاج السالك إلى مرشد يرشده وينجّيه من المهالك
والأول إما أن يتعلق بالحوادث أو لا.
فإن كان متعلقاً بها فعند وقوعها كما شاهدها أو على سبيل التعبير
وعدم وقوعها حصل التمييز بينهما وبين الخيالية الصرفة وعبور
الحقيقة عن صورتها الأصلية إنما هو للمناسبات التي بين الصور
الظاهرة هي فيها وبين الحقيقة ولظهورها فيها أسباب كلها راجعة إلى
أحوال الرائي وتفصيله يؤدي إلى التطويل.
وأما إذا لم يكن كذلك (أي الرؤيا غير
الاخبارية بالمستقبليات) فللفرق بينها وبين الخيالية الصرفة موازين
يعرفها أرباب الذوق والشهود بحسب مكاشفاتهم كما أن للحكماء ميزاناً
يفرّق بين الصواب والخطأ وهو المنطق.
(منها): ما هو ميزان عام وهو القرآن والحديث المنبيء كل منهما على
الكشف التام المحمدي صلى الله عليه وآله.
(ومنها): ما هو خاص وهو ما يتعلق بحال كل منهم القابض عليه من
الإسم الحاكم والصفة العالية عليه.
أقول: فترى أن الميزان عندهم لكون ما يرد على القلب وما ينكشف له
_سواء بالرؤية في المنام أو في اليقظة أو بغير الرؤية من الإلهام
القلبي وغيره_ الميزان بين الحق والحقيقي منه وبين الباطل
والشيطاني والخيالي الذي لا واقعية له هو القرآن الكريم والسنّة
المطهرة.
وقد برهن الشارح القيصري على ذلك بحسب مصطلح علم العرفان بقوله في
الفصل السابع.
ولما تكان كل من الكشف الصوري والمعنوي على حسب استعداد السالك
ومناسبات روحه وتوجّه سرّه إلى كل من أنواع الكشف وكانت
الاستعدادات متفاوتة والمناسبات متكثرة صارت مقامات الكشف متفاوتة
بحيث لا يكاد ينضبط وأصح المكاشفات وأتمها إنما يحصل لمن يكون
مزاجه الروحاني أقرب إلى الاعتدال التام كأرواح الأنبياء والكمل من
الأولياء صلوات الله عليهم.
المقطع المتقدم منقول بتمامه من كتاب دعوى السفارة في الغيبة
الكبرى للمصنف (حفظه الله تعالى) ص91.
(16)
- الآية 59 من سورة الانعام.
(17)
- في منتهى
المطلب للعلامة الحلي الجزء الثالث وقال امير المؤمنين عليه
السلام: لو كشف لي الغطاء ما ازددت يقيناً, وكذلك في مناقب آل ابي
طالب لابن شهر اشوب الجزء الاول ص317 وفي مستدرك سفينة البحار ص163
وغيرها.
(18)
-
كامل الزيارات - جعفر بن محمد بن قولويه - ص 539 - 542
(19)
- في الكافي
للشيخ الكليني الجزء الاول ص401 باب فيما جاء ان حديثهم صعب مستصعب
الحديث الثاني عن علي بن الحسين عليهما السلام (والله لو علم ابو
ذر ما في قلب سلمان لقتله ولقد آخا رسول الله صلى الله عليه وآله
بينهما فما ضنكم بسائر الخلق).
(20)
- الآيات 8و9و10 من سورة الصافات.
(21)
- في نهج البلاغة الجزء الرابع ص17 ومن كلام له في القدر قال عليه
الس