جعل الله تعالى في حياة الانسان عوامل تحصنه من السقوط والانحراف منها (الذكر)، وهو الانتباه والارتباط والانشداد الواعي الى الله تعالى، ولا شك ان ذلك يحفظ الانسان من ان تجذبه عوامل الاغراء في الحياة الدنيا، ومن الانجرار الى الهوى ومن استدراج الشيطان له.
والذكر ضد الغفلة وليس معنى ذلك ان يكسب الانسان شيئاً جديداً كما في العلم – مثلاً- فان العلم يأتي بمعنى اضافة شيء جديد على ما عند الانسان، اما الذكر فلا يزيد الانسان شيئا ليس عنده، وانما يذهب عنه الغفلة ويعيده الى الوعي والانتباه واستحضار سلطان الله وعلمه، ومعنى ذلك ان لفطرة الانسان وقلبه ارتباطا مباشراً وفعالا بالله تعالى، وان الفطرة متصلة بالله إتصالاً مباشراً، كما ان القلب متصل بالله تعالى اتصالا مباشراً، وهذا الاتصال قد يختل احيانا فيصيبه الضعف والفتور، وعامل الضعف هنا الغفلة التي تصيب الناس كثيراً، فتصرفهم عن الله تعالى، وتحجبهم عنه عز وجل، وهنا يأتي دور الذكر ليعيد اتصال الانسان بالله تعالى، ويربط الانسان من ناحية القلب والعقل والفطرة بالله عز وجل، وهذا الارتباط والانشداد الذي هو محتوى الذكر وحقيقته يحمي الانسان ويحفظه من السقوط والفساد.
ان الشيطان يتمكن من استدراج الانسان واسقاطه عندما لا يكون حبل الانسان موصولاً بحبل الله، اما عندما يوصل الانسان حبله بحبل الله ويربط نفسه بالله عز وجل، فلا يكون للشيطان عليه سلطان، ولا يقوى عليه الشيطان وهذه الحقيقة يبينها القرآن الكريم حيث يقول: "ان عبادي ليس لك عليهم سلطان إلا من اتبعك من الغاوين"، فالذكر يحصن الانسان تجاه الشيطان واغوائه، ولا يكون الذكر ذكرا حقا الا عندما يكون شاغلا وصارفا للانسان في وقت واحد، شاغلا لقلبه بشكل كامل فلا تبقى مساحة فارغة لغير الله، و صارفاً للانسان عن كل شيء آخر عدا الله تعالى، وهذا هو معنى الانقطاع الى الله تعالى.
لا يسع هذا القلب ان يقبل في وقت واحد العلاقة بالله تعالى والعلاقة بغيره، ولذلك فان مراكز ومواقع الاهتمام والعلاقة في حياة الانسان المسلم في الدنيا تقع تحت هيمنة علاقته بالله ولا مكان للعلاقات الاخرى مثل العلاقات العاطفية والمادية وغيرها، فالعلاقة بالله هي المحور و الاساس والحاكم في قلب الانسان المسلم والذكر هو القطب الوحيد في القلب الذي يستقطب كل الاهتمامات.
من هنا نجد القرآن الكريم يعطي للذكر قيمة كبرى ودوراً كبيراً في حياة الانسان، فمرة نرى انه يؤكد على الاستمرار والمداومة على الذكر على كل حال حيث يقول: "الَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللّهَ قِيَاماً وَقُعُوداً وَعَلَىَ جُنُوبِهِمْ" وفي موضع اخر تجد القرآن يأمر بالاكثار من الذكر حيث يقول: "يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اذْكُرُوا اللَّهَ ذِكْراً كَثِيراً" ومرة اخرى تجده يأمر بالذكر عند النعمة "واذكروا نعمة الله عليكم" وفي موضع اخر يأمر عند الغفلة والنسيان بالذكر حيث يقول: "واذكر ربك اذا نسيت" وفي مصادق واضح يبين القرآن ان اقامة الصلاة هو اعلان للذكر حيث يقول: "واقم الصلاة لذكري" وهنا تبيان لحقيقة الصلاة من نحو الاتصال عن طريق الذكر، وايضا تجد ان التأكيد القرآني في الذكر لا يقتصر على الصلاة فقط بل حتى بعدها كما يقول: "فَإِذَا قَضَيْتُمُ الصَّلاَةَ فَاذْكُرُواْ اللّهَ قِيَاماً وَقُعُوداً وَعَلَى جُنُوبِكُمْ ".
ومن اللطائف القرآنية نجد ان القرآن الكريم يأمر باخفاء الذكر في النفس دون الاعلان عنه، حيث يقول: "واذكر ربكَ في نفسكَ تضرُعاً وخيفةً ودون الجهر من القول بالغدُوَّ والاصال ولا تكن من الغافلين" ونرى ان القرآن جعل لنا برنامجاً تربوياً حتى في العمل من حيث العمل المقترن بالذكر فيقول: "فَإِذَا قُضِيَتِ الصَّلَاةُ فَانتَشِرُوا فِي الْأَرْضِ وَابْتَغُوا مِن فَضْلِ اللَّهِ وَاذْكُرُوا اللَّهَ كَثِيراً لَّعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ " ومن هنا نكتشف ان القرآن يعطي برنامجاً للانسان من خلاله يرتبط بالله جل وعلا وهو الذكر، واريد ان اختتم بكلمات للامام امير المؤمنين عليه السلام حيث يقول: "ذكر الله دعامة الايمان وعصمة من الشيطان".