طالب علم  
الجنس : عدد المساهمات : 2695 تاريخ الميلاد : 22/07/1989 تاريخ التسجيل : 29/01/2011 العمر : 35 الموقع : العراق حكمتي المفضلة : مَا أَكْثَرَ الْعِبَرَ وأَقَلَّ الْإِِعْتِبَارَ!
| موضوع: إبراهيم بن أدهم البلخي الجمعة سبتمبر 02, 2011 4:21 pm | |
| إبراهيم بن أدهم البلخي
وذكر صاحب كتاب "العرايس": أن إبراهيم بن أدهم كان أمير بلخ، وكان إذا خرج إلى الصيد أو إلى غيره، كان بين يديه أربعمائة عمود من ذهب وفضة.
فركب يوماً إلى الصيد فنودى: يا إبراهيم تب!.. فلم يلتفت.. فنودى ثانياً وثالثاً.. فنزل عن مركبه، وفرّق حشمه خلفه، وقال: بدا لي شغل.. فمشى في البرية وحده حتى لحق راعياً فقال له: لمن أنت؟.. فقال: لإبراهيم بن أدهم.. فقال: يا ليتني كنت راعياً.. فأعتقه وأعطاه الشياة، وأخذ ثياب الراعي فلبسها وجعل يمشي.
فأصبح في المفاوز والقفار متنكراً حتى عزم على أن يقصد مكة حاجاً متضرعاً إلى الله – عز وجل – ليغفر له، ويتوب عليه.. حتى إذا كان في أحد المفاوز وسوس له الشيطان فقال: أخشى أن تهلك في البادية جوعاً وعطشاً.. فنذر إبراهيم أن لا يجاوز ميلاً في هذه البادية حتى يصلي أربعمائة ركعة.. فكان يمشي ويصلي حتى توسط البادية، وكان فيها سبع سنين.. فلما توسطها وسوس له الشيطان: ههنا تجد الرزق لأنك على طريق ولو ملت عن الطريق الجادة لم تجد شيئاً.
فمال عن الطريق الجادة على رغم الشيطان، فأصابه الجوع والعطش إلى أن وطّن نفسه على الهلكة، واستعد للموت، فكان من قضاء الله تعالى أن أعرابياً أضلّ راحلته، فجاء يطلبها فوجد إبراهيم مشرفاً على الموت.. فناداه: فلم يجبه، فجاء إليه ففتح فاه كرهاً وجعل فيه سويقاً وسكراً ولبناً، فضحك ، فقال الأعرابي: مما تضحك؟.. فقص عليه القصة، وقال: إن الله لا يضيع أجر من أحسن عملاً.
فقصد مكة حتى لحق بأهلها فاجتمع إليه جماعة من الأولياء وكان يوصيهم ويقول: لا تنظروا إلى المحارم، ولا تأكلوا شبعاً، ولا تفعلوا كذا وكذا في هذا الموضع – يعني لحرمته – وكان قد دخل قبل دخول الحاج، فأتاه الخبر بقدومهم فقال إبراهيم لأصحابه: تهيأوا لاستقبالهم، فخرجوا فلقيه رفقة من بلخ وفيهم صبي حسن الوجه في هيئة حسنة، وكان إبراهيم ينظر إلى الصبي جداً، ويقلّب بصره فيه، فلما انصرف وجنّ عليه الليل، كان له تلميذ يقال له إبراهيم بن يسار، فقال تلميذه: يا أستاذ!.. كنت تعظنا أن لا ننظر إلى أمرد ولا نفعل كذا وكذا، فرأيتك منذ اليوم وأنت تنظر إلى صبي ما حاله كذا وكذا فخطر ببالي شيء.
فقال إبراهيم: لا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم، هذا الكلام لم أكن أريد أن أذكره، لكن لما خطر ببالكم ما يكرهه الله تعالى أحببت أن أخبركم، وذلك أني فارقت بلخ منذ خمس عشرة سنة، وكانت امرأتي حاملاً، فتوهمت أنه ولدي.. فقال إبراهيم بن يسار: فبتّ تلك الليلة مفكراً إلى الصباح، ثم قصدت تلك الرفقة، فوجدت الصبي في حجره مصحف وهو يقرأ القرآن، فسلمت عليه فردّ عليَّ السلام.
فقلت له: من أنت يا صبي؟.. ومن أين أقبلت؟..
فقال: من بلخ!..
فقلت: ما اسمك؟..
فقال: محمد!..
فقلت: ما اسم أبيك؟..
فقال: إبراهيم بن أدهم!..
قلت: تريد لقاءه؟..
قال: فصاح وقام وقال: أين أبي؟..
فصعدت معه إلى إبراهيم وعنده قوم جلوس من الأولياء.. فقلت للصبي: هذا أبوك إبراهيم من أدهم.. فأكب على أبيه وجعل الصبي وأبوه يبكيان والجماعة الحاضرون، فلم أر صراخاً ولا عويلا أكثر من ذلك اليوم.. فلما قرّا من البكاء ، قال إبراهيم لابنه: تحسن القرآن تقرأه؟.. قال: نعم.. قال: تعرف فروض الوضوء والصلاة وسننها؟.. قال: نعم.. فقال: الحمد لله الذي أخرج من صلبي ولداً مسلماً يقرأ القرآن.
فصعد إبراهيم الجبل فاقتفى الصبي أثره وقال: يا والدي!.. إنني لم أرك قط فامكث ساعة نتحدث.. فقال إبراهيم: يا ولدي!.. هذه الدار ليست بدار المؤانسة.. والمؤانسة في هذه الدار تورث المواحشة في دار البقاء؛ لكن إن ننج يوم القيامة نأنس ونتحدث، وإن تلقني يوم القيامة ويداي مغلولتان إلى عنقي، ورجلاي مقيدتان، ولك عند الله وجه فاشفع لوالدك إلى ربك، وبكيا وتفرّقا على هذه الحالة.. فلم يره بعد ذلك أبداً حتى فارق الحياة الدنيا – عليه الرحمة- هذا.
وبنقله أيضاً عن غيره: قال: كنا مع إبراهيم بن أدهم في البحر، فلعبت بهم الريح وهاجت بهم الأمواج، واضطربت السفينة، وبكى الناس، قلنا لإبراهيم:
يا أبا إسحق!.. أما ترى وما الناس فيه؟.. قال: فرفع الرأس – وقد أشرف الناس على الهلكة – فقال: يا حي حين لا حي!.. ويا حي قبل كل حي!.. ويا حي بعد كل حي!.. ويا حي يا قيوم!.. يا محسن يا مجمل!.. أريتنا قدرتك فأرنا عفوك.. قال: فهدأت السفينة من ساعته.
وقال أبو سلمان الداري: صلى إبراهيم بن أدهم خمس عشرة صلاة بوضوء واحد.. وذكر عن إبراهيم بن أدهم: أن القرّاء اجتمعوا ليسمعوا ما عنده من الأحاديث، فقال لهم: إني مشغول بأربعة أشياء فلا أتفرغ لرواية الحديث.. فقيل له: وما الشغل؟.. قال:
أحدها: إني أتفكر في يوم الميثاق حيث قال: هؤلاء في الجنة ولا أبالي، وهؤلاء في النار ولا أبالي، فلا أدري من أي الفريقين كنت في ذلك الوقت.
والثاني: حين صوّرني في رحم أمي فقال الملك الذي هو موكل على الأرحام: يارب شقي هو أم سعيد؟.. فلا أدري كيف كان الجواب في ذلك الوقت.
والثالث: حين يقبض ملك الموت روحي فيقول: يا رب!.. مع الكفر أم مع الإيمان؟.. فلا أدري كيف يخرج الجواب.
والرابع: حين يقول: {وامتازوا اليوم أيها المجرمون}، فلا أدري مع أي الفريقين أكون.
وحكى أنه قصد يوماً أن يدخل حماماً، وكان عليه ثياب رثة فمنعه صاحب الحمام لرثاثة الحال، وخلو يده من المال، فقال: واعجبا لمن منع أن يدخل بيتاً بني بالطين والحجارة بلا مال، كيف يطمع أن يدخل الجنة بلا طاعة وأعمال؟!..
| |
|