المتواطئ والمشكك
ينقسم الكلِّي إلى قسمين هما:
1 - المتواطئ .
2 - المشكك.
عندما نلاحظ كلياً من الكلِّيات، ككلي الإنسان وكلي الجبل وكلي الماء، ونطبقه على مصاديقه وأفراده، نلاحظ أن تطبيق هذا الكلِّي عليها يكون بنحو التساوي، بمعنى عدم وجود أي تفاوت في صدق الكلِّي على تلك المصاديق، فعَلِيٌّ إنسان، وحَسَنٌ إنسان، وأَحْمَدُ إنسان، من غير اختلاف بين إنسانية عليٍّ وإنسانية حسن وإنسانية أحمد، فلا يمكن القول بأن إنسانية علي أولى أو أكثر أو أشدّ من إنسانية أحمد، وكذلك مفهوم الماء الكليّ عندما يطبَّق على مصاديق الماء في الخارج، فلا يقال إن هذا الماء أكثر مائيةً من ذلك الماء أو أشدّ.
هذا القسم من الكلِّي يسمى الكلِّي المتواطئ، والمقصود من التواطؤ هو: «التوافق والتساوي».
وفي قبال هذا القسم هناك كلِّيٌّ آخر يسمى: الكلِّي المشكك، وهو: «الكلِّي الذي يتفاوت في تطبيقه على مصاديقه وأفراده»، فمثلاً عندما نتصوَّر مفهوم البياض أو مفهوم العدد أو مفهوم الوجود، نرى بأن هناك تفاوتا بين أفرادها في صِدق المفهوم عليها، فبياض اللبن أشد بياضاً من بياض القطن وعدد الألف أكثر عدداً من عدد المائة، ووجود العلَّة أولى وجوداً من وجود المعلول.
فكلُّ هذه المفاهيم الكلِّية مفاهيمُ مشككة، فالتشكيك يعني: «التفاوت والاختلاف».
نتائج:
1 - التفاوت في المشكك لا يكون على وجه واحد، بل هناك أوجه مختلفة من التفاوت بينها كالتفاوت بالأكثريَّة والأولوية والأقدمية والأوَّليَّة والأزْيَدية.
فالاختلاف في الكميّات يكون بالأكثرية والأقليَّة، والاختلاف في الكيفيّات يكون بالأشدِّية والأضعفيَّة.
2 - عند ملاحظة التفاوت في الكليّات المشكِّكة، نستنتج أن التفاوت فيها يؤول إلى أمر واحدٍ وهو: الكمال والنقص. وعليه نقول: إنَّ الكلِّي المشكك هو: «الكلِّي الذي يتفاوت في تطبيقه على أفراده بالكمال والنقص». فالأشدّ هو أكمل من الشديد كما أنَّ الأكثر أكمل من الأقلّ، ونعني بالأكمل أنَّه أوسع أفقاً في الوجود من الأنقص.
وعلى ضوئه نقول:
لا تشكيك إلا في الوجود. وتفصيل هذه المسألة يطلب في الحكمة المتعالية في تقسيمات الوجود.
3 - التشكيك لا يحصل إلاّ في الأعراض كالبياض والسواد والطول والعرض، وأمّا الجواهر مثل الماء والأرض والإنسان والحيوان، فهي مفاهيم متواطئة.
4 - الضابطة في الاختلاف هي أن يكون في صدق نفس المفهوم لا في أمرٍ آخر؛ فمفهوم الماء عندما نطبقه على مصاديقه، نرى أنه لا تفاوت بينها في المائية، فلا يمكن القول بأنَّ هذا الماء القليل أقل مائية من الماء الكثير. نعم يكون مقداره أقل والمقدار مفهوم آخر غير مفهوم الماء.
وكذلك بالنسبة إلى مفهوم الإنسان، فلا تفاوت في صدقه على أفراده من حيث الإنسانية، فالإنسان إنسان سواء كان كامل العضو أو ناقصه، فلو كان مقطوع اليدين، ما خلّ ذلك بإنسانيته أصلاً، نعم لو كان أحدهما أعلم من الآخر فسوف يحصل التفاوت والاختلاف في العلم وهو مفهوم كلِّي آخر غير مفهوم الإنسان، فيمكن أن نقول بأن هذا الإنسان عِلمه أكثر من ذاك رغم كون إنسانيتهما واحدة.
ثمَّ إنَّ التفاوت والاتحاد بين المفاهيم المشكِّكة، إنَّما يكونان في نفس المفهوم، بمعنى أنَّ (ما به التفاوت هو نفس ما فيه التفاوت)، فعندما نقايس العدد خمسة بالعدد عشرة، نرى بأن العدد خمسة هو عدد مؤلفٌ من وحدات، والعدد عشرة أيضا مؤلف من وحدات ويعبَّر عن هذا بـ (ما فيه الاختلاف)، والتفاوت بينهما في العدد ويعبَّر عن هذا بـ (ما به الاختلاف)، فالعشرة أكثر عدداً من الخمسة، فما به الاختلاف هو العدد كما أنَّ ما فيه الاختلاف هو العدد وكذلك الخط الطويل فهو والخط القصير متَّحدان في الخط - وهو الامتداد - ومختلفان في الخط أيضاً.