الدلالـة
لو سَمِعْتَ
رنّة الهاتف، فسوف تنتقل إلى الهاتف لتسمع وتتكلَّم مع من يريدك، فالرنّة دلّت على وجود شخصٍ ما وراء الخط يريدك فهي الدال،
ووجود الشخص هو المدلول والعلاقة الذهنيَّة بينهما تسمى الدلالة.
ولو سمعت طرقة
الباب ينتقل ذهنك إلى أنّ شخصاً ما على الباب يدعوك فالطرقة دال، ووجود الشخص مدلول، والصفة الحاصلة هي
الدلالة.
والسر في
الانتقال في مثل هذه الموارد هو أنَّ الطرقة والرنة وضعتا لهذا الغرض، فلو كانت
الرنَّة صادرة من جهازٍ لم يوضع لهذا الغرض، مثلاً لم يكن مُتصلاً بالخط أو كان
لعبةً للأطفال، فالرنَّة حينئذٍ لا تدلُّ على شيء أصلاً.
إذن الدلالة
لم تحدث إلا بعد الوضع فلولا الوضع لما تحقَّقت الدلالة.
ومن هنا
عُرِّفت الدلالة بالتعريف
التالي:
«كون
الشيء بحالة إذا علمت بوجوده انتقل ذهنك إلى وجود شيء آخر».
تنقسم
الدلالة إلى أقسام ثلاثة:
(1) الدلالة
العقلية. (2) الدلالة الطبعية.
(3) الدلالة الوضعية.
1 -
الدلالة العقلية:
هي الدلالة التي تنشأ من
الملازمة بين الشيئين ملازمةً ذاتية في وجودهما الخارجي كالأثر والمؤثِّر وكضوء
الصبح الدال على طلوع الشمس. وتتميَّز هذه الدلالة: بأنَّها لا تختلف
باختلاف الأشخاص والأمصار، فهي تحصل لأيِّ إنسانٍ مهما كان سواء العالم أو الجاهل،
القروي أو الحضري.
2 -
الدلالة الطبعية: وهي فيما إذا كانت
الملازمة بين الشيئين ملازمة طبعيَّة أي يقتضيها طَبْعُ الإنسان، وقد يختلف حسب
طباع الناس. كدلالة آه على التوجع وآخ على الألم، وأُف على التأسف والتضجر، فعندما
تسمع كلمة أف من إنسان أو تشاهد اصفرار لونه، تعرف بأن هذا الإنسان مريض، وما دام
أنَّ طبائع الناس مختلفة، فربَّ أمرٍ يدلُّ على حالةٍ عند جماعة من الناس ولا يدلُّ
عند آخرين فمثلاً نشاهد أنَّ البعض عندما يفكر، يضع يده على جبهته أو يعبث بما يحمل
من أشياء والبعض الآخر يمشي أو يسكت.
3 -
الدلالة الوَضعية: هي فيما إذا كانت
الملازمة بين شيئين ناشئة من التواضع والاصطلاح، وذلك باتفاق جماعة على وضع شيء
لشيء.
اللفظيَّة
وغير اللفظيَّة:
ثم إنَّ
الدلالة الوضعيَّة تنقسم إلى قسمين:
* دلالة
وضعية لفظية. * دلالة وضعية غير
لفظية.
الدلالة
الوضعية غير اللفظية: وهي ما إذا كان الدال
الموضوع غير لفظ، كإشارات المرور.
الدلالة
الوضعية اللفظية: وهي الدلالة التي تنشأ
من اللفظ وذلك لأنَّ اللفظ هو الموضوع.
أقسام
الدلالة الوضعيَّة اللفظيَّة:
وهذه
تنقسم إلى أقسام ثلاثة: مطابقية و تضمنية و
التزامية.
الدلالة
المطابقية: فيما إذا كان اللفظ يدل
على تمام معناه الموضوع له ويطابقه، مثل لفظ الكتاب الدال على تمام معنى الكتاب، أو
لفظ الحرم الدال على تمام الحرم المكِّي أعني البلد الحرام.
الدلالة
التضمنية: فيما إذا كان اللفظ يدل
على جزء من معناه الموضوع له الداخل ذلك الجزء في ضمنه، مثل دلالة لفظ الكتاب على
الورق وحده أو الغلاف فقط، أو دلالة الحرم على المسجد الحرام خاصة.
الدلالة
الالتزامية: فيما إذا كان اللفظ يدل
على معنى خارج عن معناه الموضوع له، لازم له، يستتبعه استتباع الرفيق اللازم الخارج
عن ذاته، فالارتباط بينهما عقلي لا لفظيٌّ كما في الدلالة التطابقية أو التضمنية.
ولكن هذا
الارتباط لوضوحه ولزومه البَيِّنْ صيَّر الدلالة واضحة وكأنَّها مستفادة من اللفظ،
ولهذا صارت الدلالة الالتزاميَّة من جملة الدلالات الوضعيَّة اللفظية، رغم أنَّها
في الحقيقة عقليَّة.
مثلا حينما
تقول: اشتريت داراً، فكلمة
الدار هذه تشمل الطريق الذي هو خارج عنه لازم له، فالطريق غير داخلٍ في الدلالة
التطابقية ولا الدلالة التضمنية بل هو من الدلالة الالتزامية. وكلمة الحاسب الآلي
غير دالة على الفأرة، بالمطابقة أو التضمُّن، ولكنَّها داخلة فيها بالدلالة
الالتزامية.
إذن
الدلالة الالتزامية هي ليست دلالة لفظية بل هي دلالة عقلية بَيِّنـة ومن شدة وضوحها
سميت دلالة لفظية، ومن هنا اشترطوا في
الدلالة الالتزامية وجود التلازم الذهني بين معنى اللفظ والمعنى الخارج اللازم،
وينبغي أن يكون التلازم راسخاً في الذهن، بحيث ينتقل الذهن من سماع اللفظ إلى لازمه
مباشرةً.