أبحاث المنطق و أهمية مباحث الألفاظ

أبحاث
المنطق

إنَّ
المنطق - كما شرحنا - يعالج عنوانين رئيسيين:

العنوان
الأول: هو المُعرِّف.


والعنوان
الثاني: هو الحجَّة.


المُعرِّف: هو التفكير في مجال التصورات.

الحجَّة: هو التفكير في مجال التصديقات.

جميع أبحاث
المنطق تتركَّز في هذين العنوانين.

ومن
ناحية أخرى الحديث عن خصوص الحجَّة والاستدلال يتشعَّب إلى قسمين:

القسم
الأول: هيئة الحجَّة وصورتها.


القسم
الثاني: مادة الحجَّة ومحتواها.


على ضوئه
أصبحت أبحاث المنطق ثلاثة:

المبحث
الأوَّل: المُعرِّف.

المبحث
الثاني: الحجة كهيئة.

المبحث
الثالث: الحجَّة كمادة (وهو
المسمى بالصناعات الخمس الذي يُبيَّن في القسم الثالث إن شاء الله تعالى).


وحيث أن
لبحث المُعرِّف والحجَّة، مقدمات لها أهميَّة سواء لمعرفة المُعرِّف والحجَّة، أو
كمصطلحات تستخدم في العلوم المختلفة، أصبحت أبحاث المنطق ستة:

البحث
الأول: مباحث الألفاظ.


البحث
الثاني: مباحث الكلي وهي مقدمات
للبحث الثالث: وهو المُعرِّف والقسمة.


البحث
الرابع: القضايا وأنواعها وهذا
البحث هو مقدَّمة للبحث الخامس: وهو
الحجة.

البحث
السادس والأخير: الصناعات الخمس.



أهميَّة
مباحث الألفاظ

قلنا في تعريف
المنطق، إنه آلة قانونية تعصم مراعاتها الذهن عن الخطأ في الفكر. وعليه فهذا العلم
لا يتعامل إلا مع المعقولات والمعاني والمدركات الذهنية ولا علاقة له بالألفاظ.
فلماذا إذاً نتحدَّث عن الألفاظ في هذا
العلم؟

أقول:

إنَّ البحث
اللفظي في هذا العلم يختلف عن العلوم الأدبية كالنحو والصرف واللغة تماماً،
فالمنطقي إذا تطرَّق إلى اللفظ وقسَّمه إلى أقسام مختلفة، فهو لا ينظر إلى الألفاظ
كألفاظ، بل يلاحظها باعتبار أنَّها تدلُّ على المعاني لأنَّها مرآة لها، ومن هنا
نشاهد أنَّ المنطقي لا يحصر اللفظ بلغةٍ دون لغة، بل يتحدَّث عنه بما هو دالٌّ على
معنى، وعالم المعاني أوسع من عالم الألفاظ.

ارتباط
اللفظ بالمعنى:

المفاهيم
الذهنيَّة لا يمكن أن تتصوَّر إلاّ ضمن ألفاظ ذهنيَّة. فاللفظ المتصوَّر هو الذي
يوجد المعنى المتصوَّر، فعند استعمالنا للألفاظ وتعاملنا معها بربط بعضها بالبعض
الآخر، نحن - في الواقع - نتعامل مع المعاني الذهنيَّة بالأصالة وذلك لوجود العلاقة
الوثيقة بين اللفظ والمعنى، فاللفظ ليس هو إلاّ مرآة للمعنى فوجود اللفظ وجودٌ
اعتباريٌ للمعنى كما أنَّ الكتابة أيضاً وجود اعتباري للمعنى، وعليه تكون للأشياء وجودات
أربعة:

وجودان
حقيقيان ووجودان اعتباريان:

فالوجودان
الحقيقيان يتمثَّلان في
الوجود
العيني الخارجي والوجود الذهني التصوُّري.

كما أن
الوجودين الاعتباريين يتمثلان في
الوجود
اللفظي والوجود الكَتْبي.

والوجودان
الأخيران رغم كونهما اعتباريين، ولكن لهما دور رئيسي في التفكر الذي هو الانتقال من
مفهوم إلى آخر ولهذا يقول الحكيم الإلهي الشيخ
الطوسي (رضي الله عنه) في شرح الإشارات: «الانتقالات الذهنية قد تكون بألفاظ ذهنية وذلك لرسوخ
العلاقة بين اللفظ والمعنى في الأذهان»

فعندما نريد
أن ننتقل من مفهوم إلى مفهوم، كثيراً ما نشاهد أنَّ هذا الأمر غير ممكن إلاّ من
خلال الألفاظ الذهنيَّة؛ فلو أردنا تصوُّر حقيقة الإنسان الذي هو حيوان ناطق
فلابدَّ أن نتصور لفظ الإنسان الذي هو الهمزة والنون والسين والألف والنون
لنتصوَّره بالإجمال ثمَّ نتصور مفهوم الحيوان من خلال ألفاظه التي هي الحاء والياء
والواو والألف والنون، ومفهوم الناطق من خلال النون والألف والطاء والقاف وحينئذٍ
نكون قد تمكنّا أن نتصوَّر مفهوم الإنسان بالتفصيل.

ونفس الكلام
يجري بالنسبة إلى التصديقات المتوقِّفة على التصوُّرات عندما نقيم الاستدلال
والحجَّة، فلو أردنا أن نستدل على صحَّة أمرٍ أو سقمه، لابد أن نتصور مقدمات
الاستدلال من خلال الألفاظ المُتلفظة لنستنتج النتيجة الصحيحة.

وبناءً عليه،
فالخطأ في اللفظ، يجرُّنا إلى الخطأ في المعنى، فلابدَّ إذاً من معرفة أحوال اللفظ
- بصورة عامَّة - لئلا نقع في الخطأ الفكري.

بسم الله الرحمن الرحيم
تمت قراءة الدرس , وفقت لكل خير ان شاء الله